انقسم العراقيون حول اتفاقية طريق الحرير بين مؤيد ورافض, وهذا حال اهل العراق الاختلاف وبتطرف حول أي قضية, حتى حول القضايا البسيطة والفرعية من قبيل استدعاء لاعب للمنتخب الكروي, او تجديد شارع المتنبي, او اقامة عرض مسرحي, او نصب تمثال لشخصية تاريخية او رياضية! فالخلاف وبتطرف شديد اصبح حالة عراقية ملازمة لكل حدث, لذا كان طبيعيا ان يختلف العراقيون حول اتفاقية الصين والدخول في طريق الحرير, وصولا حتى التخوين والدعوة لمحاربة من يروج لها, من دون احترام للراي الاخر, ورد الحجة بالحجة والدليل بالدليل.

سنحاول من خلال هذه السطور الابحار في حقيقة طريق الحرير, وهل من مصلحة العراق الانضمام له؟

 

· مؤتمر اقتصادي للتوضيح

اقام مركز الغد الزاهر للدراسات والاعلام مؤتمرا اقتصاديا لتوضيح ماهية طريق الحرير, وكشف المؤتمرون ان لطريق الحرير ايجابيات كبيرة للعراق, وعاملا مؤثرا على التنمية الاقتصادية في العراق, بل حتى شعار المؤتمر وهو (طريق الحرير والاقتصاد العراقي الواعد), كان مفصحا بشكل جلي عن اهمية طريق الحرير لمستقبل العراق, فان موقع العراق المركزي مهم جدا لنجاح طريق الحرير, نعم سيؤثر سلبا على الامارات وباقي دول الخليج, وتتكبد بسببه خسائر جسيمة.

فالأهمية حسب اطروحات الخبراء في المؤتمر تنبع من:

1- تنبع الاهمية مما اسموه بمقايضة خامات الدول مقابل الاعمار, والعراق ينوي دفع النفط نظير الإعمار لدفع العبء الاقتصادي من دون ديون.

2- ولأنها تقطع دابر الفساد لأنها بإدارة محترفة, فلا يتمكن اهل الفساد فرص للتخريب فهي منظومة محكمة.

3- توفر فرص عمل للعقول الاكاديمية والأيدي الماهرة وفق بنود الاتفاقية، والتي تسهم بحل جزء كبير من مشكلة البطالة, والبالغة أربعين بالمئة من الشعب حسب الاحصائيات المعلنة.

4- تحرك عجلة الاقتصاد العراقي, ويخرج من شرنقة النفط.

5- يفتح الطريق امام الانفتاح السياحي ليتحول العراق لقبلة سواح العالم.

 

لكن برز فريق معارض لدخول العراق ضمن اتفاقية طريق الحرير, واعتراض البعض فقط لانه ند سياسي, لذلك كان عليه ان يعارض ما يطرح خصمه السياسي حتى لو كان للعراق فيه خير كثير, والبعض الاخر من المعارضين اعتمد على التسويف والاعلام الكاذب بهدف التشويه وخلط الاوراق على الجماهير غير الواعية.

 

· سؤال: ما هي الأسباب الكامنة وراء مبادرة الصين

يمكن ان نحدد سببين جوهريين للمبادرة الصينية.. وهما:

الاول: السبب الخارجي: سيطرة اساطيل البحرية الامريكية على ممرات العالم المائية، وهو ما يهدد بغلق ممرات (الطاقة والتجارة) الصينية, في حالة التوترات العسكرية, مما دفع الصينيين للبحث عن طرق بديلة كي لا يكونوا تحت رحمة الامريكان.

ثانيا، السبب الداخلي: حيث تهدف الحكومة من هذا المشروع لدعم المناطق الداخلية والغربية من الصين، ذات النمو المنخفض, فالصين تفكر في تطوير كل مناطقها, حيث تُعد الموانئ الواقعة شرق البلاد هي البوابة التجارية للصين نحو العالم، وفيها تتركز الايدي العاملة ورؤوس الأموال، مما انعكس على ارتفاع معدلات نموها، بينما تعاني الأقاليم الغربية من بطئ كبير في نموها الاقتصادي.

 

· سؤال: ما الحل البديل للصين؟

تم طرح المبادرة صينيا لإنقاذ اقتصادهم من ازمات مستقبلية ممكن ان تحصل, وقد تحول حياتهم الى جحيم, فتأتي هذه المبادرة لتحل معضلة (التكلفة، والمخاطر) التي يواجهها الاقتصاد الصيني، حيث سيتم بناء شبكة من الطرق البرية التي تمر عبر دول صديقة، حيث تُقسم هذه الشبكة إلى مسارين رئيسيين:

 

أولاً – المسار الشمالي: والذي يستهدف الوصول لأوربا انطلاقا من الغرب الصيني حسب التسلسل التالي: (كازخستان، روسيا، روسيا البيضاء، بولندا، المانيا، فرنسا)، هذا الطريق استطاع ان يختصر الوقت من 60 يوم إلى 18 يوم!

 

ثانيا – المسار الجنوبي: الذي ينطلق ايضاً من الغرب الصيني، ويمر بدول (أوزبكستان، قيرغستان، طاجيكستان، أيران عراق، سوريا، تركيا).

 

أما الفرع الاخر من المسار الجنوبي، وربما هو الأهم في الاستراتيجية الصينية، وهو مسار ميناء جوادر الباكستاني، فبالإضافة لدور هذا المسار بالتبادل التجاري مع الخليج، فهو سينقل بترول الخليج العربي الذي يشكل 40% من واردات النفط الصينية، سيختصر هذا الطريق 70% من الوقت والتكلفة وبعيداً عن أعين البحرية الامريكية.

 

 

· مصادر تمويل المشروع:

هذه المشاريع العملاقة بالتأكيد ستحتاج إلى تمويل ورؤوس أموال لإنشاء البنى التحتية اللازمة، خصوصاً إن الدول التي ستمر بها هذه الطرق، هي في الغالب دولاً ذات معدلات نمو اقتصاد متواضعة؛ لذا أنشأت الصين عدة بنوك استثمارية ومنها (بنك الاستثمار الاسيوي), والذي عقدت الحكومة العراقية العزم على الانضمام إليه، للحصول على التمويل اللازم لبناء السكك الحديدية والبنى التحتية اللازمة للاستفادة من خيرات وبركات التنين الصيني.

 

 

· مخاطر والاقتراض

يقول الفريق المعارض لاتفاقية طريق الحرير: ان موقف المتحمسون لمشروع الطريق الصيني: هو مجرد رهان أكثر منه حسابات حقيقية، وإلى حين أثبات فريق المتحمسون لوجهة نظرهم بالحسابات والأرقام، فمن الحكمة تبني وجهة نظر فريق المتشائمين من المشروع, ويقول المعترضون تواجه العراق معضلة خطيرة, الا وهي مخاطر الاقتراض: وكما أعلنت الحكومة العراقية سابقاً، فإن فريق المتحمسين يواصل مساعيه للحصول على التمويل من (بنك الاستثمار الاسيوي)، لإنشاء وتطوير سكك الحديد العراقية, وتواجه الدولة هنا مخاطر افتراضية من نوعين، ناجمة عن اقتراض العراق من (بنك الاستثمار الأسيوي) لتطوير بنيته السككية.. وهي:

 

1- مخاطر الفساد: ففي بلد يحتل مراتب متقدمة في سلم الفساد الإداري! يُعد أنجاز الحكومة للمشاريع وفق المواصفات المطلوبة أمراً مشكوكاً فيه، وهي – أي الحكومات المتعاقبة – التي أخفقت في إنجاز العشرات من المشاريع البسيطة، ولذا من الطبيعي ان تهدر اموال الاستثمار ويدخل العراق في ازمة ولا يتحقق شيء.

2- مخاطر عدم السداد: الأساس أن (المُقرض الصيني) هو من يتحمل الخسارة إذا أخفق (المُقترض العراقي) عن سداد قروضه، ولكن في حالتنا هذه، فالعراق هو الذي سيتحمل المخاطر، وستكون المخاطر سيادية إذا أخفق العراق بسداد ديونه.

 

– رد على اشكاليات المعارضين لطريق الحرير

نشير هنا الى انه يمكن لهذا المشروع أن يكون ممتازاً ويقدم فرص حقيقية وليست خادعة للاقتصاد العراقي، وسيكون البديل الأفضل والاقل خطراً على مالية العراق واقتصاده وسيادته، حيث يتم فتح المجال للشركات سواء أكانت عراقية أم أجنبية، للاستثمار وبناء شبكة السكك الحديدية عبر ارجاء العراق، وبهذا تستطيع الحكومة أن تضمن أن هذه الشركات هي التي ستتحمل مخاطر الاقتراض, ومخاطر سوء حساباتها، وأن أن هذه المشاريع لن تسدد فقط تكاليف إنشاءها، بل ستكون مربحة ومستدامة وتوظف الالاف من الافراد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *