من البديهيات التي لا جدال فيها أن الإنسان يحب أن يعيش في وطنه وان يموت على أرضه ، وأن هؤلاء الذين هاجروا وفارقوه يراودهم حنين وشوق للعودة إليه ولكن إلى أي وطن يعودون ! … حري بنا أن نعود إلى نقطة البداية ..فلو قمنا باحصائية دقيقة لأعداد المهاجرين لوجدناها أرقاما تثير الانتباه ويتبين أن العراق يتصدر الدول بكثرة مهاجريه وتكاد لا تخلو دولة من دول العالم إلا اقتحم أرضها عراقيون ..ترى لماذا تركت هذه الملايين من البشر وطنها لتغترب !
الواقع أنه لا أحد يؤثر الغربة على البقاء في وطنه ولكنها الضرورة والتمسك بالحياة والهرب من الموت هو ما دفعهم إلى فعل ذلك .. ان واقع هذه الهجرة بدأ يتزايد منذ عقد الثمانينات بسبب الحرب ثم تزايد أكثر في عقد التسعينات بسبب الحصار الظالم ..غير ان الأمر اتخذ مسارا آخر بعد الاحتلال الأمريكي للوطن عام ٢٠٠٣ حيث انقلب الحال إلى أسوأ ما يمكن وصفه ؛ وأخطر لعبة تم العزف عليها هي لعبة الطائفية التي زرعت الخوف والرعب في النفوس حيث أريقت دماء غزيرة في وقت لم يعرف القتيل قاتله ولا القاتل يعرف قتيله ولكنها الفتنة اعمت البصائر بينما سلطة الدولة عاجزة عن حماية مواطنيها..إذن لا حيلة إلا بالهجرة والفرار من مقصلة الموت …وكيف تحلو الحياة وقد سلب من الأنسان حق الحياة ومعها ضياع حقوقه جميعها . إذن أصبحت الهجرة لها مبرراتها بل ضرورتها للخلاص من تفاقم الأزمات القاتلة ولغلق أبواب الخوف والقلق والضياع ..
ان الهجرة حينئذ ستكون بمثابة إنقاذ من التسلط على الحرية المنتزعة ، وأن مساحة الحرية في بلاد الغربة ستكون أفضل الف مرة من مساحتها في ربوع الوطن ..
ان الوطن فقد كل مميزات البقاء فيه بعد أن عبثت به أياد قذرة ماكرة أثرت مصالحها على كل قيم الخير والجمال . وهكذا كانت الهجرة تعبيرا حقيقيا عن مدى الامهم ..وسيظل الانتظار هاجسهم والحنين حلمهم حتى يأذن الله بعودتهم .