لفهم جوهر الديمقراطية واستنباط مدركاته في الوعي الشعبوي وإرساء مبادئه العليا التي يرتكز عليه البيئة السياسية وهيكلة العلاقات الاجتماعية للدولة والمجتمع ، لابد من ارضية معرفية وعقلية منفتحة واعية تستوعب وتُدرك للتنوع مؤمنة للتطور العلمي ملتزمة بقانون الأخلاقي والإنساني العام ضمن حدود مجتمع مدني منسجم أخلاقيًا بميثاق يحرره من القيود و التبعية العصبية باشكالها لتكون القيّم الإنسانية مرجعية للدولة والشعب يؤهل السلوك الإنساني ويوجهه لممارسة مهامه في تنظيم القوانين والأطر التشريعية بما يقتضيه صالح الفرد وخدمة الشعب و رفاهيته خارج الموروثات التاريخية ، التعددية والمساواة في الحقوق والواجبات هي الركيزة الاساسية للديمقراطيات الحرة التي تضمن الاستمرارية والاستقرار لشكل الدولة وتماسك الشعب انطلاقاً لمبدأ إحترام القوانين والتشريعات ضماناً لتداول السلطة سلميًا ولاءً ومحبةً للوطن والصالح العام ، تظهر جلياً دلالات الاشتقاقية لهذا النهج الليبرالي للديمقراطيات في اغلب البلدان الغربية بما يتناسب ونمط الحياة المتقدمة لشعوبها المتحضرة.
ديمقراطية مزيفة
بخلافهِ تمارس اغلب الدول الاوسطية والاقليمية بما فيها العراق مايسمى بالديموقراطية المزيفة و خُزعبلاتها ، أساسها الوهم الثقافي و أُحادية الفكر والمنهج الرجعي ، متعصبة لا تؤمن بالتعددية وقبول الاخر ، نفعيةُ الحقيقة سياسياً اجتماعياً ودينياً ، ديمقراطية منافقة تُذل شعوبها ذهنياً وفكرياً و عاطفياً ، تستغل التراث والتاريخ كمرجعية للسيطرة على الشعب و ديمومة سلطتها ، يعاني السلوك الانساني فيه من الثبات و السكون ، يتحكم في ثقافاته الأيديولوجية العقائدية القومية والدينية تُرسّخ مبدأ التعالي والتضليل و تُمهّد لنهج التطرف وهيمنة الدوافع الشخصية على القيم الانسانية لبناء الأفكار والإقناع الخفي لمستوى الفكر والوعي للمجتمع ليصل به لمرحلة العقل القياسي العاجز عن إنتاج المعرفة لا إبداع فيه و لا ابتكار يقيس متطلبات الحاضر بمكتسبات الماضي و موروثاته والالتزام به إثباتًا للذات والمحافظة على الهوية التقليدية والقناعات الفكرية ، ليتحول المجتمع الى مجتمع زاهد إبداعياً يعيش نمط حياة الاجداد والسلف من العادات والتقاليد التي تُهيمن على الفكر والعلاقات ، لذا نجد هذه المجتمعات تعاني من الازدواجية و الازمات و الاضطرابات نتيجة عُقدة الذنب في (المسموح والممنوع) والتفرقة وعدم قبول الآخر ، هذه الفوضى تقود الى ظهور ديكتاتورية و تقسيم المجتمع الى طبقات فئوية تنعدم فيه العدل والمساواة وعدم الرضا عن النفس والحياة خوفاً من المساءلة أمام المتحكم  المستبد الذي يستغل هذه الخُزعبلة اللاليبيرالية لصنع مجتمع ضعيف و هش تحت التصرف كالقطيع يوجهه سمعاً وطاعة و ترى التافهون يتصدرون المشهد وتعلوا اصواتهم على صوت العقل والمنطق ، هؤلاء غير قابلين للمساءلة وهم فوق القانون وغالباً ما يكون ولائهم لغير الشعب والوطن.
اغلب الدول والمجتمعات تمر وتتعرض للأزمات وفوضى الاضطرابات وهذه الأزمات تُنتج إما التطور والتقدم يكون غاية المواطن فيه السعادة والرفاهية و إما ظهور دكتاتوريات عنصرية يتبعها انقلابات ودمار البلد لتكون غاية المواطن فيه الامن والبقاء .إن منبع الديمقراطية يتجلى في الضمير الإنساني الاخلاقي المنسجم مع القيم العليا والأسس الحكيمة للتطور الحضاري تُصان العدالة فيه باحترام القانون والنظام لتنمية البلد و رفاهية الشعب .
الديمقراطية السليمة الواعية هي سليل الحضارة الإنسانية ، وقمة التطور والعلو للشعوب والدول تكون عندما يصل المجتمع إلى مرحلة الرُشد الحضاري .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *