قراءة الطالع و المغيَّبات، والتنبؤات للمستقبل مهنة راجت في القرنين الثامن والتاسع عشر ، بعد سلسلة من الحروب التي مرت بها المجتمعات البشرية وحالة الاحباط واليأس التي اصابت الناس جراء ذلك ، وكوسيلة للبحث عن امل ولو كان وهماً والخلاص من الواقع المتردي تنتعش مهنة ” كشف المستقبل” لذا كان المتنبئون يحضون بمكانة بالمجتمع وان كانوا دجالين ومشعوذين .
التنجيم وكشف المستقبل نوع من التخدير الفعَّال الذي لجأت اليه بعض الشعوب .
وربما الكثير منا قد قرأ عن نوستر اداموس و العرافة البلغارية ” بابا فانغا” و اللبنانية ماجي فرح والعراقي ابو علي الشيباني وغيرهم الكثير .
والكثير من العراقيين قد شاهد مسرحية الخيط والعصفور ، التي تتحدث عن عاطل عن العمل يلجأ الى الشعوذة بدفع من زوجته ، و بعد ضربة حظ فيصبح ” فتُّاح فال ” لينتشر صيته بين الناس المحبطة ، وتنطلي لعبة المشعوذ على الكثير من الناس ، فيلجأ اليه والي بغداد ليكشف له سرقة قصره التي شارك فيها 40 حرامي ، فيطلب من الوالي مهلة اربعين يوم ، فيتناهي الى مسمع “الحرامية ” هذا الخبر فيرسل رئيس المجموعة لصاً ليستكشف ما يفعله المشعوذ ، وكل يوم يرفع صوته الدجال ليعلن انقضاء يوم من ايام المهلة وبالتالي خضع اللصوص للدجال وراحوا يتسلون به .
بينما الدجال كان يعد ايامه للموت ، لان الوالي هدد بقتله في حال عدم كشف اللصوص.
هذه الخزعبلات وغيرها التي يبتدعها البعض من المفلسين للضحك على ذقون المحبطين ، تجد صداها في مجتمعات تريد ان تصدق الدجل وتتعلق بالغيب ، لانه اقل كلفه واكثر راحه .
ولان ” فتاح الفال ” غير مطالب بدليل فهذا يسهل العملية ويجعل لها مساحة اكبر .
خرج علينا البعض ليخبرنا بان الدمار والقتل والدماء ستجتاح العراق في العام 2024 وان القوة القادمة لا تبقي ولا تذر ، وان قوى خارجية ستنزل غضبها على العراق،و ستسحل الجثث في الشوارع ووووو الخ .
هذه البشارة بالدمار جائت هذه المرة من قوى تدعي المدنية والديمقراطية !!!!
والادهى من كل ذلك ان هذا البعض يتحدث دون ادلة ، فقط يتحدث عن الغيب الذي ستكشفه الايام ، وهو يذكرنا بقصة شعبية قديمة تقول : ان احدهم اهدى لصديقه “فسيلة نخلة ” وقال له انها ستحمل نوع ممتاز من التمور بعد ثلاث سنوات ، وانتهت السنين الثلاثة و اكتشف الرجل ان الفسيلة لا تحمل ابداً لانها ” فحل ” فقال لصديقه انها “فحل” فرد عليه الاخر لم احسب لهذه حساب انا قلت في الثلاث سنوات ” لو انه اموت لو انت لو الفسيلة ” .
عملية كشف المستقبل وتسويق الوهم والابتعاد عن الواقع تشبه عملية رمي حجر في الظلام .
لذا التغيير لا يمكن ان يحدث من خلال الخزعبلات والتخدير واشاعة الخدع ، التغيير يجب ان يكون بالعمل والعقل والعلم .
” لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بانفسهم ”
التغيير حالة تفاعلية بين الانسان و محيطه ويحتاج الى تضحيات ذاتية كبيرة، لا ان ينتظر قوى خارجية تأتي لتغير له وهو جالس يأكل ” المندي” . وبالتالي يريد ان نعيش حرا كريما وان يكون بلده سيداً .
الشعب السيد والوطن الحر هو الذي يصنعه ابنائه وشبابه ، والذي يبنى بسواعد من يحبه ويضحي من اجل اطفاله ومستقبله .
الحرية والوطنية لا تستورد بل هي صناعة محلية بحته ، ولابد ان يستجيب القدر .
الوطن لا يصنعه الاجانب والمحتلون.
ولكم في العام 2003 اسوة يا اولي الالباب .