لم يعد العراق بعد 2003 سوى نموذج للدولة الفاشلة، مع استمرار ما يسمى ” الإنسداد السياسي ” ، بسبب اختلاف المصالح الشخصية والحزبية والاجندات الخارجية لزعامات القوى المتنفذة التي ليس لها ارتباط بالوطن سوى مجرد الذاكرة وسرقة ثرواته، وتحاول النخب الوطنية المثقفة من دعاة الدولة المدنية لانتقال العراق من مصدر تهديد للاستقرار إلى مُعزز له، لكن هذه المحاولة ما زالت في دور ” الشرنقة” ، خاصة بعد انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان بعد أن صدعوا رؤوس العراقيين بالإصلاحات وتشكيل حكومة الأغلبية ، وتحويل النصر الانتخابي إلى هزيمة، الحقت ضررا كبيرا في رسم سياسة كان بإمكانها فتح باب تغيير “الموديل” الذي كان سائدا قبل الانسحاب ، وفتح المجال أمام دخول الأحزاب الولائية كطرف رئيسي في تشكيل الحكومة المقبلة تحت عنوان ” التوافقية”، ليكون عاملاً لتعزيز المشروع الإيراني كأبرز مؤشر يهدّد مستقبل البلاد ، وأصبحت هذه النخبة الوطنية والمجتمع الدولي أمام تحدي المصداقية للتعامل مع حكومة ولائية ليس لها ارتباط بالوطن سوى مزيدا من سرقة ماله العام وتكريس كل عوامل التخلف والانهيار وفي مقدمتها قطع أوصال النسيج الاجتماعي.

لقد استغل زعماء الإطار ومن ورائهم إيران عامل الوقت بقطع الطريق القانوني والدستوري على عودة النواب الصدريين من خلال الجلسة البرلمانية “الطارئة” يوم 23 حزيران 2022 بالاشتراك مع (محمد الحلبوسي) بأداء البدلاء اليمين الدستورية ومعظمهم من ” الإطاريين” والتي جاءت زوراً تحت عنوان ” مناقشة الاعتداءات التركية في شمال العراق”.

الحقيقة لن تتشكل حكومة وطنية أدواتها من نفس ماكنة الخراب والفساد التي دمرت العراق طيلة السنوات الماضية ، فهي تشكل اكبر معول تهديم لما تبقى من البلاد.

إن الإطار والتيار كلاهما يدركان ان العملية السياسية قد فقدت شرعيتها برفضها من قبل الشعب الذي هو مصدر السلطات، لذلك استحالة أن تكون هناك إصلاحات بأدوات إيرانية وفاسدة.

وإذا استمر الوضع الفوضوي بهذه الصورة المأساوية فأن السخط الشعبي سيخرج عن السيطرة في أي لحظة، والفاشلين لا يصلحون مطلقا للبناء، والخيانة مرض سرطاني بالدم صعب الشفاء منه، والمحاصصة الطائفية لا تبني نظاما تقدميا رشيدا والعراق تحت الحكم الإيراني.

باختصار العراق لم يعد بلدا قابلا للحياة بعدما ارتبط مصيره بمصير المشروع الإيراني الخبيث وتكريس الخرافة والجهل.

كما أن إصرار زعماء الإطار على أن تكون الكابينة الوزارية المقبلة “حزبية” بمعنى الحكم عليها مستقبلاً بالفشل، لأنها من ذات حفر الأفاعي المتمثلة بالأحزاب الفاسدة التي انتفض الشعب ضدها وما زال ينتفض حتى تحقيق التغيير المنشود.

بداية الإصلاح الحقيقي ينطلق من تعديل الدستور وانتخاب رئيسي الجمهورية والوزراء من قبل الشعب مباشرة ، شريطة ان يمر المرشح بفلاتر المعايير المهنية في مقدمتها الكفاءة ،والوطنية ،والاستقلالية ، وشجاعة القرار، ومن اصحاب الشهادات العليا.

الشعب العراقي رافض لأي حكومة تتشكل من أحزاب العملية السياسية التي دمرت البلاد والعباد، وبقائها يعني نهاية الدولة العراقية وحذفها حتى من خرائط أطلس جراء تفككها، إشكالية تلك الأحزاب المريضة هي تدوير الخائن والفاشل والفاسد وفرضه على الشعب بطرق شيطانية.

الخلاصة ، لن يتغير الوضع العراقي نحو الأمان والتطور إلا بتحقيق الدولة المدنية ، التي تعمل على تفعيل قيم المواطنة، والمساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الشاملة المستدامة، وتصون حقوق الإنسان كافة وتمنع أي انتهاك لها، وتحقيق السلم الأهلي، ورفض ثقافة ومناهج الإقصاء، ومحاربة الفساد المالي والإداري بأشكاله، ونشر ثقافة المحاسبة والمساءلة ، وحرمة المساس بالمال العام، وتولي الوظائف العامة وفقًا لمعايير الكفاءة ، ومحاربة الطائفية والإرهاب والمحسوبية والقبلية والمناطقية ، وتعزيز قوة القانون، وجعل الهوية الوطنية الجامعة هي الأولى ، وهذا يتم من خلال برنامج حكومي “جاهز الكتابة” ، يعلن عنه فور حصول التغيير وفق إرادة شعبنا الحر الأصيل. اللهم احمي العراق وأهله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *