منذ طفولتي كنت أشاهد أبي في يوم عاشوراء ، يذهب الى الحسينية القريبة من بيتنا ــ للأمانة في قضاء الفاو. وإبّان الستينات والسبعينات كانت هناك فقط عشر حسينيات موزّعة من رأس البيشة حتى شمال القضاء ، وبشكل جغرافي تتساوى فيه المسافة بين واحدة وأخرى. كنت أرافقه دائما وأجلس قريباً منه لأستمع للخطيب جيداً ، كان يردد قول الحسين (ع): ما خرجت أشراً ولا بطرا، ولا مفسداً ولا ظالماً ، إنماّ خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي. نعم خرج لطلب الإصلاح بعد أن تفشّى الفساد والظلم والجور نتيجة فساد المتسلطين و الحاكمين، ويؤكد الخطيب ان الحسين وقف يوم عاشوراء بين الآلاف الزاحفة لقتاله ينصحهم ويحذّرهم ويبّين لهم أن حاكميهم فاسدون وظالمون ومخادعون خرّبوا كل شيء ، وعلى الناس الخروج ضدهم وكشف زيفهم وخداعهم. كنت أحفظ ما يقوله جيداً ، وبعد أن ساحت عيناي على الأسطر والكلمات ، ورحلت في جولة وأخرى بين الكتب والمصادر والمراجع، قرأت المزيد من الإيضاحات والتفاسير والشروح التي تؤكد أحقية تلك الثورة وتلك الصيحة التي أطلقها الحسين في يوم عاشوراء ( ألا وإنّي زاحفٌ إليكم بهذه الأسرة رغم قلّة العدد وخذلان الناصر ، والله لن أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم اقرار العبيد ) ليقدّم نفسه وأهله وأصحابه قرباناً لها كي تكون نبراساً تهتدي به الشعوب والأمم الثائرة ضد الظلم والفساد والباطل. اقتدى بثورته كل حرٍ ثائرٍ أبيٍّ وانطلقت صيحته في جميع الآفاق مجلجلة لتهزَّ عروش الطغيان والاستبداد ، استفاد منه الشرقيون والغربيون والشماليون والجنوبيون، في الصين والهند وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتمثّل أقواله وأفعاله ومسيرته ماوتسي تونغ وغاندي وجيفارا وغيرهم الكثير من الأحرار والثوّار الذين وقفوا ضد الظلم والفساد وقضوا عليهما بثوراتهم وتضحياتهم التي استقوها من ثورة وتضحية الحسين (ع).
الوقفة التي وقفها الحسين وأهل بيته وأصحابه رغم قلّتهم أعطت للعالم ومنذ عشرة قرون دروساً بليغةً مفادها أنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ولابد للظلم والجور من زوال مهما طال الزمن ، ويجب أن ينكشف الفساد ويسقط الفاسدون. وان عودة سريعة للتاريخ منذ سنة 61 هجرية ولحد هذه اللحظة تجعلنا نبصر الكمّ الهائل من الثورات و الأحرار الذين حملوا مشعل ثورة الحسين ورفعوه بوجه الفاسدين والظالمين .
ثورة الحسين وتضحيته درس علينا أن نعيه جيداً ونستفيد منه وأن نطبّقه بشكل صحيح جداً ، نترك الخوف والخجل والمجاملة ومصلحة الذات والطمع والمحسوبية والعاطفة جانباً وأن لا نغضّ الطرف عن الفاسدين واللصوص والمتآمرين الذين باعوا ونهبوا وخرّبوا كل شيء !
علينا أن نقتدي بهذه الثورة العظيمة التي اقتدى بها الأحرار الثائرون منذ مئات السنين ومازالوا يقتدون ولتنطلق صيحتنا الكبرى مجلجلة بوجه الفاسدين الذين عاثوا بكل مقدراتنا خرابا !!
الحسين (ع) ثورة ضد الطغيان بكلّ أشكاله ، ثورة للحرية ..للخير.. للأمان..إشاعة المحبة والتسامح..لمستقبل الشعوب المؤمنة بحريتها وكرامتها وعزّتها وتقدمها وازدهارها ..الحسين (ع) ثورةُ إصلاح كبرى!