لم تعد حكايات شهرزاد بشأن بغداد وقصص ألف ليلية وليلة مجدية حيث الامن والأمان وقصص العاشقين تتناثر على اسوار العاصمة وتفيض بحنينها على باقي المحافظات في ظل تعدد شهريار بقلب الحدث فلا يستطيع أي فيلسوف مهما بلغت قدرته على سرد الاحداث ان يجزم عما ستؤول اليه الأمور في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب بعيداً عن مناطق الغربية وإقليم كردستان حيث السكينة والتفرج علماً انها سبقت الجميع بحجز المقاعد الامامية على مسرح العملية السياسية وهي بالانتظار نهاية الشرك الذي وقع فيه ابطال المسرحية وسط هتافات بين مؤيدة ورافضة وراضية وممتنعة وجميعها تصب في مصلحة المطرقة.
تكمن أحداث اليوم في تصارع سياسي سلطوي بين دعاة الإصلاح والتغيير وحماية الشرعية وكلاهما لو اجتمعت في خانة القانون والدستور لأعادت العراق الى عصر الازدهار والتقدم من ناحية الخدمات والكهرباء والاعمار والصناعة والزراعة وحتى السياحة ولأصبح العراق نجماً ساطعاً في سماء الدول االإقليمية والمنطقة؛ لكن لكل طرف رؤى وطروحات يرفضها الاخر مع تصعيد مستمر في الشارع العراقي ومخاوف من نجاح الفتنة باقتتال (شيعي شيعي) عبر اجندات خارجية تعصف بالبلاد من كل حد وصوب حطبها الشباب ووقودها التظاهرات التي باتت محط انفجار باي لحظة.
ووسط هذا الحراك الشعبي من الجانبين انطلقت دعوات للتهدئة والحوار الوطني عبر بعض القوى الوطنية ولعل اخرها دعوة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني بعقد وطني يضم جميع القوى السياسية في أربيل لحل التصارع والخروج من عنق الزجاجة التي لطالما بقيت الازمة السياسية عالقة فيها فمن الانسداد السياسي بسبب النتائج الانتخابية ووصفها بالمزورة الى عاصفة تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الوزراء بعد اتفاق قوى الإطار التنسيقي بالإجماع على ترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الحكومة وجاء رد التيار الصدري بالتجمهر عند بوابة المنطقة الخضراء واقتحام مبنى مجلس النواب ما دعا رئيس البرلمان الى تعليق الجلسات الى اشعار اخر.
وهنا تجدر الإشارة الى ان الموقف القائم حالياً في البلاد يحتاج الى حكمة وروية كبيرة لتفادي سفك الدماء وتقديم المزيد من التضحيات وكأن العراق مكتوب عليه ان يبقى على صفيح ساخن في ظل صراع المنطقة والامن الغذائي والحروب الاقتصادية والمائية والمناخية وكل هذا ضريبة يدفعها المواطن العراقي فمنذ وعينا على هذه الدنيا لم نشهد أي شيء جديد سوى خدمات الانترنيت وانفتاح (الدش) فالفقير زاد فقراً والغني زاد غنى ونحن على أعتاب 2023 لا شوارع مبلطة ولا مدارس تغني على الأهلي ولا صحة تقيك المرض ولا كهرباء تغنيك عن جعير المولدات ولا أمن يشعرك بالأمان والحل الوحيد الان وبهذا الوقت الحساس هو التلاحم والتفكير بعقلانية وهدوء أكثر والجلوس على طاولة حوار وكشف ما أوصل العراق الى هذا الحضيض للرأي العام والاتفاق على علاج الشرخ بين كفي التصارع ولنأتمر الى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (صلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام) فإذا كان هذا شأن الإصلاح بين فردين فكيف إذا كان الصلاح بين طائفتين كبيرتين كل منهما يعتقد بالله واليوم الآخر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويحجّ البيت ويصوم شهر رمضان.