لا أحبُّ الشرائط السينمائية التي تبدأ بوجه البطل الشائب وهو يسرد الذكريات من نهاياتها البعيدة ، ثم يتبدل مشهد انثيال الأيام المعتقة فيعود شاباً أو غضاً كما خلق أول مرة .
سيكون الأمر مثل جلوسك وحيداً بدار سينما وقدامك شخص ثرثار يخبر صاحبه بأنَّ كاترين دينوف سيأكل جسمها السرطان وان صاحب كشك الهمبركر المزروع في الجوار هو من سيساعد في واقعة سرقة بنك المدينة الكبير ، وأن ميل جبسون الضخم سيخرج بصناديق الذهب مثل خروج شعرة من طاسة عجين بائت .
ألحق هو أنني أفضّل انتظار المفاجأة حتى لو كانت مروعة وقاسية وخارج قياسات قلبي الوحيد التي منها بقاء ذلك الأمل الصغير بعودة سفينة تايتانيك العجيبة الى ساحلها القديم سالمة سعيدة غانمة عازفة راقصة .
أريد أن يجري الشريط اللذيذ بسلاسة ، ومخّي سيعمل في أبواب التأويل والنبوءة التي إنْ تحققت فسوف يكون طعمها مشتقاً من طعم صينية حلاوة مثلومة كانت مزروعة عند جدار الصف الأول الإبتدائي وعلى سورها زفة من ذباب طنّان .
أخي جمعة الرائع الطيب البديع كان يشبهني كثيراً في هذا التفصيل الممل ، وكان مستعداً لأن يحرق الدار وربع أثاثها ويحطم كل صحون المطبخ ويستعمل السلاح الأبيض ضد أحد أبنائه الذي أفسد عليه متعة المفاجأة ، حينما قال بصوت عالٍ إنّ نور الشريف سيقتل فاروق الفيشاوي وسيتخبل محمود عبد العزيز ويغرق بسطل ماء يابس وستتزوج فردوس عبد الحميد حضرة العمدة حمدي غيث . من
في فن القصة القصيرة التي أكتبها منذ أزيد من ربع قرن وثلاثة أيام وساعة ، كافحت كثيراً ودربت قلمي على رسم المسرود بنهاية مفتوحة ، وصدقتُ نصيحة النقدة الأذكياء الذين أفتوا بتضليل القارىء وسحبه الى منطقة شائكة قد يضطر معها الى المشاركة في تشكيل النهاية الغائمة التي لا تحتمل دق نقطة حاسمة جازمة برأس السطر الأخير .
في السياسة كنت صنعت نفس الشيء ، واستعملت كثيراً تحولات المعنى بعد حروف ومنحوتات أما و أو وقد و ربما والسين وسوف ، وذهبت مذهب اللغة حمّالة الوجوه والأقنعة والتفاسير ، فكان ذلك أحد منتجات الصداع الهائل الذي صنعته لنفسي والآخرين ، والنهاية دائماً أو غالباً كانت طيبة ورحيمة ، حتى صارت حياتي مثل شرائط رائعة تتلذذ بالشك ونقيضه ، والإحتمال الذي قد ينسخ ما قبله بانتظار مسبحة طويلة من التحولات والنبوءات .
في هذه اللحظة مثلاً يتحول جسدي كله الى آذان متوترة تنصت لحفيف شجر أو خشخشة ورق يتكوم في حلق بالوعة الشارع ، فأمارس ذات اللعبة خاصتي .
ولأن مراوح السماء الهوائية العملاقة الرحيمة متوقفة الآن ، فعليَّ أن أخلع من عقلي مسألة أن الشجيرات والورق وعلب الألمنيوم انما تعزف لحن مفتتح الفجر بسبب هبوب الريح ، بل قد يكون هذا الفعل مصنوعاً بحركة لصٍّ غبيّ ، أو أن العطب الذي ضرب مؤخراً أذني الوسطى هو الذي أنجب هذا الحفيف الليلي المريب .