عام يتلوه عام وجسدك الغض ممدد تحت الثرى وأبوك في الشتات بعيد عنك مغربا . رحلت عنا على حين غرة وبلا وداع أيها الأشقر . كنت أمني النفس لما تحمله من جمال وطلعة بهية بأنك ستأتي لي بأحفاد يفوق جمالهم أبناء عمومتهم وعماتهم . كنت حاد الذكاء شجاعا لا تخشى في الحق لومة لائم .ياإلهي ..كيف انتزعوك مني وانت ملتصق بشغاف قلبي . وهل تستباح الملائكة ؟. وكيف يصبح الآدمي وحشا كاسرا فيسلب الأرواح ويدمي قلوب الأولياء ؟ . ولم نقتل بعضنا البعض ونتنازع على ملك زائل وكل مالك سيكون صاحب لحد يوما قريبا ولانعلم متى نموت وكيف ومتى ؟.وكيف نجنح عن السلام والوئام والسكينة ونوغل في القتل والدمار والرذيلة وما الحياة الدنيا الا لهو ومتاع ومسرح كبير ؟.
وياترى في بلادي الحزينة التي ما أنفكت تإن وترزح تحت الضيم في بؤس ويأس من عقدين من السنين ، كم فؤاد أب موجوع وام ثكلى وزوجة ترملت نُكأت جراحهم ومازالوا يكابدون مثلي فقدان فلذات أكبادهم ويكتوون بنار الحرمان ويغلب عليهم الأسى والحسرة والندم . ؟. وماحال غيري ممن فقد أكثر من عزيز أو من نكب بكامل أسرته. وماالذي جناه العراقيون حتى يعذبون كل هذا العذاب ويذوقون مر الهوان ؟.
اذا ذكرتُك يومًا قلتُ: واحـــزنـــا
وما يرد عليّ القول “واحزنا” !؟
يا سيدي ومراح الروح في جسدي
هلا دنا الموت مني حين منك دنا
يا أطيب الناس روحا ضمها بدنٌ
أستودع الله ذاك الروح والبدنا *
عشرون عاما ونحن نذبح في العراق ونتشظى وتنهب ثرواتنا ويهجر أبناؤنا ، في حين اخوة لنا في الدين والعروبة يتفرجون على مصائبنا وعلى سلخ بلادنا من جسدها العربي وليس لهم لنا سوى الدعاء والقلق !!. عشرون عاما والعالم كله يتحدث عن حقوق الانسان وعن الرفق بالحيوان وعن السلام والسلم والتضامن والانفتاح والمصير الواحد ، وفضلاتهم الاعلامية تصم الأذان وتعمي الأبصار نهارا جهارا، لكنهم لم يصدقوا و تخاذلوا عن نصرة شعبي المظلوم .
ولدي وميض : لاأحد يسمعنا اليوم ياقرة عيني ، ولامشاعر تهتز لأحزاننا ، وليس لنا سوى خالقنا ، وانك يافقيدي أفضل حالا من حالنا في غربتنا واغترابنا وارتحالنا فلقد قتلت مرة واحدة لكن أباك مازالت نياط قلبه تقطع ويقتل كل لحظة منذ رحيلك قبل سبعة عشر عاما. والله رب العزة لن أغفر للوحوش الآدمية على ما أقترفته أياديهم الآثمة ، وأدعوه ان يلعنهم يوم ولدوا ويوم يموتون ويوم يبعثون أحياء.. وعند الله يحتكم الخصوم.
اذا ما دعوت الصبر بعدكِ والوفا
أجاب البكا طوعًا ولم يجبِ الصبرُ
فإن تقطع منكِ الرجاء فإنه
سيبقى عليِ الحزن ما بقي الدهر*
اللهم ارحم ولدي وميض وكل شهداء الوطن ، اللهم اجبر خواطرنا وعمّر أفئدتنا وعقولنا بالصبر والايمان والرحمة والبصيرة . اللهم ياجبار القلوب المنكسرة يامقتدر يامن تمهل ولاتهمل نتضرع اليك ونلوذ بك من ظلم الظالمين وجور الجائرين ورياء المداهنين ، ونحتسب اليك يارب العالمين ونترقب بطشتك الكبرى بان تدمدم بجبروتك وعظمتك على من شتت شملنا وقطع صلة أرحامنا وقتل أبناءنا وسرق أموالنا وبدد خيراتنا وعاث في أرضنا الفساد ، الغوث الغوث الغوث ياناصر المظلومين..فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب واستباحت ..الملائكة !!.
. * ابن عبد ربه
*بتصرف ، ديوان العباس ص161