لست مقتنعا بما يجري ، وبلا شك سيخالفني السياسيون الرأي ، بل وسينزعجون من كلامي اذا كانت لديهم فرصة الاطلاع على مقالي ، فهم منهمكون في كيفية الخروج من فضيحة الانسداد السياسي بأقل الخسائر ، اذ أصبح من المتعذر عليهم القفز على مطالب الجماهير بالإصلاح ، والحقيقة ان الجماهير لديها رغبة عارمة في الخلاص من هذه الطبقة برمتها وليس الاصلاح فقط ، لكن ذلك استعصى على أناس يتقاسمهم الغم والهم والقلق على مصير بلادهم ودماء شبابهم ، فقد فشلت كل السبل لبلوغ ما يتطلعون اليه ، فلا توسلات المحبة نفعت ، ولا الدعوات الهادئة جاءت بنتيجة ، ولا الاحتجاجات العارمة أفضت الى تغيير ، ولا الرعاة الدوليين والاقليميين رف لهم جفن لمأساتنا التي مضى عليها عقدان ، مع يقيننا انهم لن يحركوا ساكنا أبدا مهما بلغت الأمور ، وان حركوا فلن نكون بحلولهم أحسن حالا مما نحن عليه ، فلا يُراد للعراق استعادة عافيته اطلاقا ، بل هذا هو الهدف ، أن يظل عليلا لا يقوى على شيء في محيطه ، بلا وزن او هيبة او دور ، لابد من تكريه العراقيين بوطنهم وتمزيق نسيجهم وغرس روح اليأس والعدوان في نفوسهم . ولا عتب على الرعاة ، فهم أعداء بالأصل ، ومن يتصور غير ذلك واهم تماما ، ولكن عتبنا على الذين استقبلناهم بالأحضان يوم جاءوا من خلف الحدود ، وعقدنا عليهم الآمال العراض بتخليصنا من الفقر والتخلف واللحاق بالآخرين بعد ان سلبتنا الحروب الحياة الهانئة .

ان الاصلاح الحقيقي سيضر بمصالح جميع من جاء بهم حظنا العاثر ليجثموا على صدورنا ، ولذلك سيعملون جاهدين على اجراء تعديلات شكلية تتيح لهم البقاء في السلطة ، وتأمين المكاسب التي ( فرهدوها ) ، وضمان عدم تعرضهم للمساءلة القانونية لاحقا ، فمن غير المتوقع أن يُجري السياسيون اصلاحا جوهريا ، كما ان الوطنيين منهم غير مؤهلين لذلك ، لافتقادهم الخبرة وتعرضهم للضغوط من بيدهم القوة .

الاصلاح الحقيقي يُراد له سياسيون مؤمنون بوطنهم وتاريخه وشعبهم وعظمته ، فقد قال خبراء السياسة ان النخبة القوية ( الأحزاب ) تسعى الى تحقيق مصالحها ، فما بالك اذا كانت مقاليد الأمور بيد هذه النخبة ؟ وهي من تخطط وتنفذ ، لذلك لست مقتنعا بالحوارات التي يرعاها السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ، وما انتهت اليه من تشكيل لجنة لرسم خارطة طريق للإصلاح ، مع تقديرنا العالي لمبادرته التي هدفت الى التخفيف من حدة الاحتقان ، وفتح نافذة في جدار الانسداد .

ان إلقاء مهمة اجراء الاصلاح السياسي على عاتق الطبقة السياسية يعني اضفاء رتوش لتجميل صورة مشوهة ، وكن على يقين ان مرت هذه المرحلة من غير اصلاح ، سنكون بمواجهة كارثة ان عاجلا ام آجلا ، وليس بمقدور أحد السيطرة عليها ، وفيها تتهيأ البيئة المناسبة لتدخلات اقليمية ودولية من فوق الطاولة وليس من تحتها .

ومع هذا القلق نقول : اذا ما توافرت رغبة صادقة وارادة حقيقية للإصلاح فان من يرسم خارطته حصرا متخصصون في القانون والعلوم السياسية ومن له خبرة في هذا المجال من غير الطبقة السياسية الحالية ، وضرورة أن تجيب الخريطة على أسئلة الاصلاح : كيف نتحرر من المحاصصة ، وماذا نفعل لحصر السلاح بيد الدولة ، وكيف نضمن انتخابات نزيهة وعادلة ، وما المواد الدستورية التي يفترض أن تُعدل ، وما نوع الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات ؟ ، أظن ليس بالعسير على الفكر العراقي المشهود له بالكفاءة تشخيص الاجراءات التي تعالج الأمراض المزمنة في العملية السياسية الجارية ، وبعد ذلك تعرض الخريطة على الرأي العام للاطلاع عليها ، وما على القوى والأحزاب الا الانصياع لها من دون اعتراض ، وبهذا الاجراء الذي يأخذ بالحسبان خصائص المجتمع العراقي والتهديدات التي يتعرض لها ، نضع جميع القوى والتيارات على خط واحد لانطلاق حراكهم السياسي ، وبغير ذلك ما علينا الا الوضوء وقراءة سورة الفاتحة على الاصلاح.

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *