بعد اتفاقية الجزائر بين العراق و إيران، وانهيار الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق ، انشق المرحوم مام جلال الطالباني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، و أعلن عن تأسيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عام ١٩٧٥. من هنا بدأ مرثون الصراعات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. وكانت الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات الأعضاء والكوادر الحزبية بين الطرفين من أبرز نتائج تلك الصراعات.
ثم بعد معاهدة السلام التي وقع عليها الحزبين في واشنطن عام ١٩٩٨ خفت حدة الصراع بين الجانبين. وفي عام ٢٠٠٣ تحسنت العلاقات بشكل ملفت بينهما. ثم شارك مام جلال و رئيس الحزب الديمقراطي السيد مسعود البارزاني بصوت واحد في مجلس الحكم، وكتابة الدستور العراقي، والانتخابات. وقد كان هناك إتفاق ضمني بينهما بأن يتسنم المرحوم مام جلال رئاسة الجمهورية العراقيه، وبالمقابل يتسنم السيد مسعود البارزاني رئاسة إقليم كردستان العراق.
بلغت العلاقات المميزة بينهما أوجها عندما جرى توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين الجانبين عام ٢٠٠٧، من اجل توزيع المناصب وتقاسم الإدارة في الإقليم. إلّا أن إعلان وفاة مام جلال عام ٢٠١٧ كان بمثابة إعلان وفاة التوافق في إقليم كردستان بشكل عام، وبين حزبي الديمقراطي والاتحاد بشكل خاص.
ثم عاد الصراع ليشتعل من جديد بين الجانبين بعد اتفاق طرف من الاتحاد الوطني مع قاسم سليماني لاحتلال كركوك بعيد استفتاء استقلال إقليم كردستان الذي عقد في 25 سبتمبر من العام 2017، ونتيجة لذلك حصل الاتحاد الوطني عام ٢٠١٧ على رئاسة الجمهورية العراقية بدعم من قاسم سليماني . بلا ريب كان هناك اعتراض ملحوظ من الديمقراطي على ترشيح برهم صالح الذي كان يحظى بدعم من معظم القوى الشيعية آنذاك.
اليوم يشتعل الصراع من جديد بين الحزبين على رئاسة الجمهورية العراقية. لكن المعطيات اليوم مختلفة عن الدورة السابقة. فقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس لم يعد لهما وجود على الساحة السياسية العراقية والأقليمية، كذلك الميليشيات الموالية لإيران ليست بذات الحجم والقوة في قبة البرلمان العراقي مقارنة بالدورة الماضية. كما أن هناك اتفاق ثلاثي متين بين البارزاني والصدر والحلبوسي، والأخير أصبح رئيسا للبرلمان العراقي بفارق كبير عن أقرب منافسيه بفضل هذا الاتفاق. أيضا استطاع الصدر سحب البساط من تحت أقدام خصومه الشيعة وأعلن نفسه ممثلا عن هذا المكون حتى اللحظه على أقل تقدير.
برهم صالح وهوشيار زيباري المتنافسان على منصب رئاسة الجمهورية العراقية لا يحظيان بدعم من القوى الشيعية الموالية لإيران، لكن تلك القوى أصبحت أمام خيارين أحلاهما مر. فبرهم صالح متهم من قبلها على أنه شارك في مؤامرة إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، حيث طالب تحالف البناء، مجلس النواب العراقي آنذاك باتخاذ اجراءات قانونية بحق رئيس الجمهورية برهم صالح، متهما إياه بخرق الدستور والحنث باليمين بعد رفض الأخير تكليف مرشح التحالف، أسعد العيداني بتشكيل الحكومة. رغم ذلك ما زالت القوى الموالية لإيران تفضل برهم صالح على السيد هوشيار زيباري الذي كان له مواقف معادية و معلنة ضد سلوك تلك الميليشيات. لكن كما ذكرنا آنفا، فإن الاتفاق الثلاثي القوي يرجح كفة السيد هوشيار زيباري على الدكتور برهم صالح، ما لم تحدث مفاجأة في الساعات الأخيرة.
على المستوى الشعبي الكردي. لا يوجد اهتمام جماهيري كبير حول هذا الصراع، فالمواطن غارق في أزمات كثيرة تغنيه عن متابعة هذا التنافس. لكن مما لا شك فيه وبغض النظر عمن سيفوز بمنصب رئاسة الجمهورية العراقية، فإن اختيار أية شخصية كردية لهذا المنصب من دون توافق كردي، قد يكون له تداعيات سلبية كبيرة على إقليم كردستان الذي هو أصلا متخم بالأزمات.