الحديث عن الفساد في العراق لا ينتهي بانتهاء أشخاص أو يقف عند دائرة معينة، بل أصبح الفساد مؤسسة ونظاما له آلياته ووسائله وحادثة “ المليارات السائبة” التي أُعلن عن سرقتها من أمانات هيئة الضرائب العامة من خلال عملية فساد خُطط لها بشكل جيد وتم تنفيذها بشكل سلس من خلال تخادم مسؤولين وموظفين في مؤسسات مختلفة، برعاية سياسيين وأحزاب ومتنفذين، يكشف عن عمق تغول آفة الفساد في
البلاد.
لاستشراء الفساد في البلاد أسباب عديدة لا يسع المقام لتناولها، لكن غياب الردع القانوني أهمها، وسيستمر هذا الفساد ينخر في جسد الدولة العراقية ونظامها السياسي ما بقي التخادم السياسي ماثلا، إذ لا يمكن مكافحة الفساد من دون وجود إرادة سياسية حقيقية تتفق عليها قوى سياسية تمثل أغلبية في صناعة القرار السياسي، وتُؤثر في نفسها وشخصياتها وتقدم مفسديها قبل غيرهم للقانون والعدالة، ثم بعد ذلك تأتي الآليات والمناهج والخطط والوسائل لمكافحة الفساد، وهناك تجارب لدول عديدة نجحت في القضاء عليه وأثبتت خططها فعالية كبرى في الانتقال من دولة يحكمها اللصوص إلى دولة تُحاكم اللصوص.
الفساد آفة تأكل النظام السياسي الذي تترعرع فيه حتى ينهار بلحظة من دون أن يشعر بعد أن يحولها من دولة “كونكريت إلى دولة كارتون” وكذلك هناك مئات التجارب القريبة لدول وأنظمة سياسية كان الفساد سببا في سقوطها ونهايتها، فإن لم يتدارك أصحاب القرار في البلاد أمرهم فإن هذا النظام سيأكل نفسه.
مكافحة الفساد باتت علما له نظرياته وأدواته المعرفية والمنهجية ولكل دولة أسلوبها الذي ينسجم مع فلسفة نظامها السياسي ومدونة تشريعاتها وثقافتها بل وحتى أعرافها التي لها قوة القانون تأثيراً.
إن تكرار تجربة المليارات السائبة التي تتم سرقتها بين الحين والآخر أو غيرها من وسائل الفساد تضعف الثقة بالدولة ونظامها السياسي حتى تأكله من الداخل، بل ومع كثرة “تطاير المليارات” تصعب وتتعقد عملية القضاء عليه، وكل ما تقدم لن يتم ما لم تتوفر تلك الإرادة السياسية التي تريد حقا إيقاف الفساد، ثم القضاء عليه.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *