تأخذنا الحياة معها نحو مناحٍ لم نفكر بها يومًا، وقد لا نتوقع وجودنا ضمن إطارها.

تأخذنا نحو منعطفاتٍ قد لا نتخيل أن نكون فيها.

فمن كان يحلم في الماضي أن يكون شيئًا، وجد نفسه اليوم وبطريقةٍ ما عجيبة، شيئًا آخر!

هو نفسه قد يتعجب، كيف آلَت الأمور بي إلى هنا؟

متى قررت أن أكون هنا؟

قد يكون للظروف يدٌ بذلك، فثمة ظروفٌ صعبة قد تحدث للفرد تُدخله متاهاتٍ معقدة تغير مفاهيمه وتبدل أفكاره وتغير معتقداته كلها وبالتالي تنشأ لديه أحلام جديدة غير التي كانت وتلاشَت.

كالحرب مثلًا، أخذت من أعمارنا أعمارًا، وبدلت أحوالنا وأفكارنا وقناعاتنا حدَّ أننا لم نعد أولئك الذين كنا في الماضي، تغيرنا حدَّ أننا لم نعد نعرفنا، صارت قراراتنا أمكن، وثقافاتنا أوسع، وإصرارنا على الوصول لأهدافنا الجديدة التي كبرت معنا منذ ولادتنا الحديثة الصعبة في مخاض الحروب والنكبات أكبر.

صار لنا نظرة مختلفة تأخذ بيدنا نحو مستقبلٍ مُشرِقٍ بعيدٍ عنا ولكنه دافئ، دافئ جدًّا!

والمسير نحوه يستحق الشقاء.

أعتقد أن الحرب بحجم مأساويتها ودمارها وسوداويتها كان لها إيجابية قوية إذ أنها أنشأت جيلًا جديدًا قويًّا يتحدى الظروف ويحمل في قلبه إصرارًا وقدرة على التحمل مهما كانت الصعوبات عميقة.

كالغربة أيضا، سرقت البهجة والأمان من قلوبنا، ورمتنا في طريقٍ مِلؤه القلق والخوف ليس من قذيفة أو رصاصةٍ أو حصار، إنما من لحظةٍ تخطف معها مسكنا وعيشةً ودفئا وترمي بأصحابها في العراء!

أو من لحظة يعود بها المغترب قسرًا إلى وطنه الأم فيغترب فيها أكثر كأن لم تكن وطنه يومًا!

كالحب أيضًا يدخل الفرد من أبوابه معتقدا أنه يملك من القوة ما يجعله متأكدًا من أن قصته أبدية، ليخرج منه قويا جدًّا ولكن بقصة مبتورة أو مدفونة!

هو لا يعلم ما الذي حدث؟ لا يعلم إن كان مخطئًا أم صائبًا! لا يعلم سوى أنه خرج من قصته خاسرًا رغم أنه كان صادقًا كلَّ الصدق، ووفيًّا حدَّ النهاية، ومُحِبًّا حدَّ الإفراط!

وقد يكون في الحقيقة رابحًا، تجربته التي تعلم منها بالطبع الكثير من الأشياء هي ربحٌ إن كان واعِيا لِلدرس الذي عاشه، فكل ما يحدث معنا هو درس، وكل درس له نتائج ستولد بعد التفكير العميق بها ومن ثم ستنبثق قرارات جديدة نابعة عن فهم أعمق للحياة ووعي أكبر!

علينا فقط أن ندرك أن كل تجربة صعبة نعيشها هي بالنهاية لصالحنا لأنها ستعلمنا كيف نكون أقوى وأنضج، وأقدَر على مواجهة حياة كل ما فيها عقبات وصِعاب، مطبات ومنعطفات علينا الانتباه جيدًا لكل ما نمر به خلال رحلتنا القصيرة.

فالحياة رحلة شاقة إما أن نهزمها بوعينا وإدراكنا وإصرارنا على المضي قدُمًا نحو مستقبل مشرق نحفر فيه اسماءنا لتبقى أثرًا يُضيء للأجيال القادمة عتمتها، أو تهزمنا هي بمطباتها فتدفننا وسط آلامنا وسودويتنا وكأننا لم نكن!

في النهاية القرار لنا.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *