مع ان سيرة الرجل ناصعة ، ولم يؤشر عليه فساد ، او كلام ينال من نزاهته ، وحواراته التلفزيونية موزونة ، وفي دواخله روح وطنية للإصلاح ، ورؤية واضحة لما يجري في المشهد السياسي ، وتشخيص دقيق لمواطن الضعف في العملية السياسية ، وتدرج منطقي في الوظيفة العامة ، كل ذلك يؤكد تراكما في الخبرة ، وعفة في النفس ، وبعدا عن الشبهات ، وبالتالي أمر مقنع أن يكون رئيسا للوزراء . كثيرون يأملون خيرا بتصدي السيد محمد شياع السوداني للمسؤولية . لكن وكما يبدو لي ان حال السوداني مستقبلا كالسابح ضد التيار ، وأقصد البحر ، سيرانه ذاتي ، جارف في غالب أيامه ، ولا يتوقع لعنفوانه التوقف ، وليس بمقدور أحد التخفيف من هيجانه ، او التحكم بقوة جريانه ، بينما طاقة السابح محدودة ، وتصميمه مرهون بطاقته وليس بإرادته ، هكذا هو حال السوداني في خوض غمار المسؤولية في اطار عرف المحاصصة الذي كثيرا ما شكا منه جميع الذين اعتلوا هذا الموقع التنفيذي الحيوي ، وانتهوا الى دعوة المبحرين لتجربة نظام الأغلبية السياسية .

يساورني يقين ان السوداني يدرك ذلك ، وان الانجازات التي ستتحقق في اطار هذا العرف البائس لن تكافح فسادا استشرى من قمة الهرم الى قاعدته ، ولن توفر خدمات ترقى الى ما يتطلع له العراقيون ، وتناسب تضحياتهم وصبرهم الطويل ، ولن تعيد للعراق مكانة في محيطه الاقليمي على أقل تقدير . أتمنى أن أكون مخطئا ، فما عادت البلاد تتحمل المزيد من الخراب والنكبات .

جميع الذرائع التي تبرر للمحاصصة غير مقنعة ، وان كانت تحت لافتة حكومة الخدمات هذه المرة ، فتجربة عقدين من الزمن المرير أثبتت هشاشتها ، وعدم قدرتها على النهوض بالبلاد ، وأظن ان تجديد تجربتها ليس من المنطق بشيء ، وكنا نأمل بعد انسحاب التيار الصدري من العمل السياسي ، أن يباشر الاطاريون أنفسهم بحكومة الأغلبية طالما صاروا الكتلة الأكبر في البرلمان ، لكان الأمر مختلفا تماما ، ولوضعنا خطوة في المسار الصحيح ، ولتناغم ذلك مع ما كان ينادي به الصدريون ، ولجنبنا البلاد أزمات محتملة بغياب طرف أساس له ثقل جماهيري يتعذر تهميشه .

المراهنة الآن على مهارات السوداني في السباحة ، هل سيكون قادرا على اقتلاع رؤوس الفساد ام سيطارد الذيول كما فعل سابقوه ، هل يعيد أملا تلاشى ، ام سيكون امتدادا لرافعي الراية البيضاء المعترفين صراحة بضعفهم في مواجهة دويلات عميقة بمآرب مختلفة تنتشر على مساحة الوطن من شماله لجنوبه ، ومع ذلك لم يخجلوا ، وظلوا يسمعوننا الانشائي من الكلام والركيك من الاجراءات ، بينما أفرغ المغامرون والمقاولون الدولة من مضمونها ، ولم يبق منها سوى هيكل لا يرقى الى مستوى نظام عشيرة .

واثق من ان السوداني في قرارة نفسه يقف بالضد من استمرار عرف المحاصصة الذي انتعش بدعم الاطارين ، وقبوله بالترشح لرئاسة الوزراء بعد أن تحسسنا نهايته الى غير رجعة ، واستبشرنا خيرا بأن الجميع أدرك الحاجة لإصلاح خلل بنيوي تعانيه العملية السياسية .

أظن ان السير على وفقه مرة أخرى مغامرة جديدة قد يدفع بسببها الاطاريون أثمان باهظة من السمعة والتاريخ ، ولن يشفع لهم عذر استهلك سابقا بأن جميع القوى مشاركة في الحكومة الذي كان مقنعا للرأي العام حينذاك . لا نريد لتجربة السوداني أن تكون مماثلة لمغامرة السيد عادل عبد المهدي الذي قبل بالمهمة في الوقت الخطأ ، فنسف بذلك تاريخه الفكري والسياسي ، ما أجبره على لزم الصمت ، ولم يعد بمقدوره ابداء رأي او طرح فكرة في الاقتصاد او السياسة مهما كانت بليغة ، وهو المتخصص فيهما جراء فشل الممارسة ، وهذا ما يقلقنا في تجربة السوداني الذي خبر عصرين متناقضين .

أقسى المغامرات تلك التي تجازف بالتاريخ الشخصي ، فلا يبقى من المرء سوى ما يخلّفه ، لا أتحدث عمن يشغلهم بريق حاضرهم على عتمة تاريخه.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *