تقول وزارة التخطيط ان عدد سكان العراق سيبلغ 50 مليون نسمة بعد 7 سنوات.
وفي العالم المتحضر، تأخذ الدولة بالحسبان الزيادة في عدد سكانها وهي تخطط للمستقبل. فالزيادة السكانية ينتج عنها الزيادة في استهلاك الماء والكهرباء والطعام، كما تزداد الحاجة الى عدد اكثر من الاسرة في المستشفيات، والاطباء، وعدد المدارس، وعدد الوحدات السكنية، وعدد رجال الشرطة اللازمين لفرض الامن، وعدد المحاكم والسجون، وغير ذلك.
والدولة الحضارية الحديثة تأخذ للامر عدته قبل وقوعه حتى لا تُفاجأ بالزيادة في عدد السكان دون توفير الكمية المناسبة من الخدمات المختلفة التي تتطلبها هذه الزيادة. وذلك امتثالا لقوله تعالى:”يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍۢ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ”. ولا يوجد هناك ما يحصر كلمة “الغد” بيوم القيامة، انما هي كلمة تنطبق على المستقبل بمختلف مصاديقه. فالموقف هو ان يفكر الانسان والمجتمع والدولة بالمستقبل ويستعد له بما يلزم.
وبما ان الدولة الان تعرف كم سيصبح عدد السكان بعد ٧ سنوات، فان بامكان المختصين بالتخطيط المستقبلي من ابنائها حساب حجم الحاجة الجديد في مختلف نواحي الحياة. والافضل لهم ان يجروا العملية الحسابية في اطار الخمسين سنة المقبلة ويكون من ضمنها السنوات السبع موضوع الحديث، على ان تتضمن العملية الحسابية تقدير الكلفة المالية للتخطيط المستقبلي وطريقة توفير المال اللازم لها.
والاولى برئيس الوزراء ان يسارع من الان الى تشكيل “اللجنة الوطنية للتخطيط الاستراتيجي” على ان تضم خبراء واكاديميين في مختلف المجالات والاختصاصات على ان تنجز عملها خلال مدة زمنية محددة، سنة مثلا، ثم يصار الى العمل بالخطة لنغطي فترة السنوات السبع فضلا عن السنوات الخمسين الاساسية.
ولأن الخطط الاستراتيجية لا تنجح مالم ينخرط في عملية تنفيذها الناس بصورة عامة، فيجب ان يرافقها حشد توعوي اعلامي يبين مدى اهمية انخراط الجمهور في الخطة وتبنيهم وحماسهم لها. فالتنمية لا تحصل بقرار حكومي فوقي فقط، وانما باندماج المجتمع مع الخطط الحكومية.
ويمكن وضع هذه الستراتيجية بالتكامل مع مقترحي الاخر بصدد اللجنة الدائمة للتربية. ذلك ان الهدف المركزي لكل خطط الحكومة يجب ان يتمثل في الاستثمار في الجيل الجديد او الاجيال الجديدة التي سيكون عليها تحمل العبء الاكبر من الجانب التنفيذي للخطة المستقبلية. ومن هنا تبرز ضرورة تنشئة الاجيال الجديدة بشكل يجعل المواطن الفعال عنصرا اساسيا في خطط التنمية ومواجهة التحديات المستقبلية.
كان العراق في الماضي يتبع اسلوب الخطط الخمسية، لكن التقلبات السياسية التي شهدتها البلاد بعد عام ١٩٥٨ ادت الى اهمال هذه المنهجية في تطوير البلاد. واليوم تدعو الضرورة اكثر من اي وقت مضى الى العودة الى التخطيط المستقبلي، ولتكن السنوات السبع مناسبة الى هذه العودة و منطلقا الى التخطيط المستقبلي على مستوى خمسين سنة اتية.
وطبيعي ان اذكر ان اي تخطيط مستقبلي يجب ان يتضمن فقرة الخروج من النظام الريعي والاعتماد المطلق على بيع النفط، والانتقال الى الاقتصاد الانتاجي متعدد الموارد. وهذا ايضا يتضمن ضرورة تغيير التوجهات العامة للمواطنين من العمل في دوائر الدولة بوظائف غير انتاجية الى العمل في الارض وتعظيم انتاجية المجتمع عملا بقوله تعالى:”هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ”. هذا مع التأكيد على الوجه الثاني للعملية الاقتصادية واعني بذلك عدالة التوزيع، قبل الانتاج وبعد الانتاج، مع تطبيق نظام التكافل الاجتماعي لاعانة المحرومين والفقراء.