الكاتب | صالح الكندي
الساعة السادسة مساء والمحطة مزدحمة بالناس بعد انتهاء فترة العمل، كان الجو باردا….
في أثناء صعوده إلى القطار الشاب الوسيم ” سالم” بالصدفة لمحت عيناه فتاة جميلة الوجه ، بيضاء ، لباسها يدل على أنها ريفية من أرض خضراء ذات طبيعة جميلة وكأنها أخذت جمالها من جمال طبيعتها .
أخذ سالم مكانه في القطار ، وهو يفكر بهذه الفتاة الجميلة التي صادفها ، وهي تجلس أمامه حيث كان بالصدفةرقم الجلوس نفس المكان .
ابتسمت له بلطف وسلمت عليه
لكن سالم لم ينتبه لها إلا بعد لحظات لأنه لم يتوقع أنها هي تلك الفتاة التي شاهدها منذ برهة هي التي بادرت بالسلام عليه
تبادلا النظرات بينهما وبيده كتاب يتصفح به عنوانه ” من أين تبدأ الطريق”.
في هذه اللحظة جاء أحد النوادل في خدمة ركاب القطار يقدم الطلبات من مشروبات دافئة وعصائر
طلب سالم من النادل فنجانين من القهوة وبعد دقائق أحضرهما
وضع فنجان قهوة أمام الفتاة ، وفنجان قهوة أمام سالم
استغربت الفتاة الجميلة من تصرف النادل لأنها لم تطلب القهوة، لكن سالم يراقبها ، ضحك وقال لها أنا طلبته لك
شكرتهُ الفتاة على تصرفه
في هذه الأثناء كان الجو باردا . وكان يرمقان بعضهما بنظرات دافئة .
وفجأة سألته وهي تبتسم له : لماذا تنظر إلي هذه النظرات العميقة .لم يرد سالم على الفتاة ، ولكن الخجل كان يضهر على وجهه.
شكرت الفتاة سالم على ضيافته .
ثم تبادلا الحديث بينهما .
سألته : ماذا تعمل ؟ أرى بيدك كتاب .
أجابها : أنا كاتب .
تم التعارف بينهما واعجبت الفتاة بشخصيةُ .
ثم اعترف سالم بإعجابه الكبير لها ، ابتسمت الفتاة وقال لها : لقد لفتِ انتباهي وأنا أصعد القطار ، وشدني جمالك الملفت للانتباه .
كان القطار يمر بمناطق كثيرة وجميلة ، وكان الوقت يجري مسرعا ، وأعجب كل من الفتاة وسالم ببعضهما البعض .قالت الفتاة : أنا اسمي ميادة ، امرأة ريفية ، فلاحة ، لم أكمل دراستي الجامعية ، لصعوبة حياتنا ، وبعدنا عن المدينة .
سألها : إلى أين أنت ذاهبة .
أجابته : عائدة لبيتنا في الريف ، كنت في زيارة لبيت أخي . أتوق لركوب القطار في سفري لأنه يجعلني أحلق بعيدا بذكرياتي الجميلة فيه ، ولأنه أكثر أمانا من السيارة.
ولقد أعجب كل منهما بالآخر وتبدلا أرقام الهواتف فيما بينهما ، وسرعان ماتوقف القطار في المحطة ، لكن سالم وميادة لم ينتبها إلى الوقت لأنهما كانا سعيدين جدا .
هيأت ميادة نفسها للنزول في المحطة وودعت سالم .
لكن سالم أصيب بالحزن للقاء السريع الذي جمعه بميادة.
ولكنها صدفة جميلة جمعته بها …
ولقد نزل سالم بعد محطتين من نزول ميادة ، وحين وصوله منزله رن هاتفه وإذا صوت جميل يهنئه بالسلامة ألا وهو صوت ميادة حبيبته .
كان شعوره لا يوصف ، تبادلا التحايا والسؤال والاطمئنان وكانا سعيدين جدا .
وفي ساعة متأخرة من الليل رن سالم على ميادة ، ردت على مكالمته متلهفة لسماع صوته : كيف حالك ؟
وهو كذلك كان متلهف لسماع صوتها الجميل : كيف حالك ميادة ؟
قال لها لم أستطع النوم قبل سماعي لصوتك .
ونفس الشعور هي الأخرى ردت قائلة : أحبك ، أحبك ، أحبك .
كانت فرحة عارمة لسالم عندما سمع كلام ميادة ، شعور لا يوصف .
وهي تعلن حبها له .
رد عليها كم مشتاق لرؤيتك يا حبيبتي .
كم أتمنى أن نتقابل ثانية .
لكن ميادة لا تستطيع في الوقت الحاضر رؤيته ، بسبب ظروفها الصعبة . ولكن تستطيع أن تتواصل معه هاتفيا .
وكان تواصل ميادة وسالم هاتفيا وكل يوم يطمأنا على بعضهما البعض .
وبدأ حبهما يكبر كل يوم .وبعد شهر تقريبا تواعدا بنفس المكان الذي جمعهما في محطة القطار عند الساعة الحادية عشرة صباحا ، كان اللقاء الثاني بعيون مملوءة بالحب والجوى ، يداهما الدافئتان المشتاقتان لبعضهما البعض ، كان اللقاء بدون كلام ، سارا إلى أقرب مكان ليجلسا فيه ، واطمئنا كل منهما على الآخر . وبدأت أحاديث الشوق والحب في ساعة تقريبا كانا فرحين جدا .
وعند انتهاء اللقاء بدأت تسيل الدموع من عيني ميادة لوداع حبيبها حتى وصلت منزلها وعيونها مملوءة بالدموع.
كانت هدية سالم لها عند لقائه عطرها المفضل فتحت زجاجة العطر لتشم رائحة سالم فيها.
وكذلك سالم عند وصوله إلى منزله كانت هدية ميادة له ، عطره المميز ، فتح زجاجة العطر وشم رائحة ميادة فيها.
ومرت الأيام يوم تلو الآخر …وكان شوق الحبيب لحبيبةُ لا ينتهي
ولم يكن ينتظرهما سوى الزواج .
اتفقوا بينهما على يوم محدد ليتقدم لخطبتها من أهلها
كانت سعادة ميادة لا توصف عندما شاهدت سالم في منزلها
ولكن أهل ميادة كانت شروطهم مجحفة بحق سالم الذي لايستطيع أن يلبيها ، كما كان مذهب سالم يختلف عن مذهب ميادة .
كانت خيبة الأمل كبيرة …
ولكن ميادة وسالم اتفقا على الزواج سرا ردا على العادات البالية في مجتمعهم .
طلبت ميادة من أهلها أن تكمل دراستها الجامعية والجامعة بعيدة عن سكنها ، كانت تخطط لتتزوج سالم سرا وبدون علم أهلها ، واتفقت مع سالم على الزواج ولكن بدون إنجاب أطفال.
وفعلا بدأت دراستها الجامعية وتزوجت سرا ، واستمرت حياتها أعواما وأعوام ، وكانت ميادة ترفض كل من يتقدم لخطبتها ، كانت حياتها منظمة مع سالم ،
كانت كل يوم تقف وقت الغروب في شرفة الدار لتتذكر زوجها سالم ، لأن أول لقاء كان مع سالم في هذا الوقت .
وبقي زواجهم أربع سنوات ، ودراستها الجامعية .
كانت ميادة في عمر مقتبل الأربعين ، منذ التقت بسالم وبقيت علاقتها وزواجها سبع سنين .
كان حبها النقي والطاهر لسالم هو الذي صنع معجزاتها .
وبقيت ميادة وسالم في علاقة دائمة ومواعيدهم الجميلة المنتظمة في نفس المكان الذي أوجده سالم لدراستها .
وذات ليلة وهي بأمس الشوق والحنان لحبيبها بدأ إعصار يجتاح قلبها وأحست بأن دوار يجتاح قلبها وكأن الألم كاد أن يقتلها .ويزداد شيئا فشيئا . ولكنها لم تخبر أحدا من أهلها ولا حتى زوجها سالم .
مسكت قلمها وكتبت على ورقة كلمة ” أحبك ” .
وتركتها في غرفتها وبعد وقت ليس ببعيد فارقت الحياة .
علم سالم بعد يومين نتيجة اتصاله بها على الهاتف ، رد أخوهها .
من أنت ؟
قال سالم : أنا زميل ميادة في الجامعة .
رد أخوها وهو يبكي
ميادة ماتت.
سقط الهاتف من يد سالم وأغمي عليه ، ولم يستفق إلا بعد ساعات وبدا الحزن الشديد معلن الحداد في قلبه .
وبعد يومين بدأ سالم البحث عن قبر ميادة وصل إليه ورثاها بقصيدة كتبها لها . كانت القصيدة باسمها( ميادة ياميادة حبك ليس كالعادة )
مازال سالم يتذكر عيني ميادة الخضراوتين وبقيت في أسفاره وكتاباته أجمل جواز سفر حمله معه.