هكذا عرفنا البصرة حضنا دافئا وثغرا باسما لكل الوافدين اليها ، لا أقول ذلك انشاء حملني الحماس على قوله ونحن نتفرج على العرس الخليجي الذي نظمته وحضرته حشود بشرية من زاخو حتى الفاو ، فضلا عن ضيوفها من العرب والأجانب ، بل هذه هي حقيقتها ، مدينة عُرفت بإشاعتها البهجة في النفوس يوم كانت وجهة سياحية مميزة ، يستمتع الناس بطربها ، ويصفقون بلذة مع خشّابتها ، ويسترخون على عشارها ، انها المدينة الأكثر انفتاحا وحرية بعد بغداد في غالب مراحل تاريخها ، فمزاج أهلها رائق ، وكرمهم فائق ، وطيبتهم مشهودة ، وخصالهم حميدة ، وهم الى ذلك أهل علم ومعرفة ، ألم تكن البصرة الحاضرة التي يعتنيها الطلبة من مختلف أرجاء الدنيا للارتواء من مناهل علمائها وأدبائها شعرا ونثرا ؟ ، فما مر أسمها في حديث الا ويُستذكر السياب ومحمد خضير وكاظم الحجاج وحسين البصري وغيرهم كثير .

لذلك ان شعت الأنوار فيها ، فهذا ليس جديدا عليها ، وانما هي بذلك تستعيد احدى صورها البهية التي غيبتها خطوب الزمان ، لتلبسها من الثياب أقتمها سوادا ، وتحترق ، لتبعث من جديد كالعنقاء تنهض من رماد . وحان الوقت لتنزع سوادها وتعلن للعالم أجمع ان البهجة والتسامح جزء من سليقتها ، لتعلمنا بمهرجانها الانساني قبل الرياضي من الدروس أبلغها . وأولها ان جمال العراق وعظمته بألوانه ، وها هي جميع الألوان تلتقي فيها كردا وعربا وتركمانا ، مسيحيين ومسلمين وصابئة وغيرها من ألوان طيفنا الجميلة التي لولاها لما كان للعراق هذا التاريخ العريق والعظمة الفائقة ، فلا يمكن للون الواحد أن يشكل لوحة ، وليس بمقدوره ان يُبدد حزنا ، او يُخفف تطرفا ، والبصرة بمهرجانها رممت نسيجا وطنيا طالته بعض التصدعات جراء ما مرت به البلاد من ظروف قاهرة ، معروفة للجميع أسبابها ومن يقف وراءها ، فما أجمل ان يمشي على كورنيش العشار أبناء الأنبار والسليمانية وكربلاء سوية ، والكل يصفق للعراق العظيم .

ومن ذلك نستشف أيضا ان النسيج لا ترممه الشعارات والدعوات والمناشدات ، بل يقتضي تنظيم فعاليات حقيقية يحرص الناس على حضورها لاقتناعهم بأن للحضور فوائد مهمة لهم ، كما حرصوا على الحضور للبصرة للاستمتاع بخليجي 25 ففاقت أعدادهم ما كان متوقعا من المنظمين ، وما أبهر الضيوف . ومن الشباب العراقي من لم ير البصرة من قبل ، وربما لم يتحقق ذلك لولا هذه الفعالية ، فلا بد من دواعي للحضور ، يذكرني ذلك بطلابي في المرحلة الجامعية الأخيرة الذين اصطحبتهم ذات مرة لتصوير فيلم قصير في مجمع الجامعة الرئيس الذي لا يبعد عن كليتهم سوى مسافة أربعة كيلو مترات ، وتفاجئت عندما أبلغوني بأنهم يرون هذا المكان أول مرة ، منبهرين ببنايات الجامعة وممراتها وطرازها المعماري الاسلامي ، وهذا يعني في جانب منه ان الفعاليات التي تُنظم لا تثير اهتمامهم ولا تعبر عن مشاغلهم ، فالنسيج الاجتماعي لا يتماسك من غير تفاعل واقعي بين عناصره ، وبالتفاعل يكتشفون بعضهم ، ويتعرفون الى مدنهم ، لذلك لا يساورني شك اطلاقا ان شباب المحافظات بعد البطولة سيكررون زيارتهم للبصرة لما رأوه من جمال في المدينة ، وما لمسوه من طيب عند أهلها ، وأتوقع ان شركات السياحة المحلية ستزيد من رحلاتها للمدينة ، خصوصا ان البصرة وجهة سياحية شتوية جاذبة فيما لو فكر القائمون عليها بالجانب السياحي ، وأغرب ما في الأمر انهم لم يفكروا باستثمار اطلالة المدينة على الخليج سياحيا ، فأغلب هواة السياحة من العراقيين رأوا البحر خارج بلادهم .

ولا يفوتني أن اشيد بجهود جميع من أسهم بتنظيم هذه الفعالية التي تمكنت من كسر الحاجز النفسي مع أشقائنا الخليجيين الذين تلمسنا رغبة عارمة لديهم للمجيء للعراق ، لكن الصورة المرسومة في أذهانهم عن العراق كانت حائلا دون ذلك ، وأظن ان هذه الفعالية غيرت الصورة تماما ، ما يدعونا الى تنظيم فعاليات أخرى فنية وثقافية على أن تكون بمستوى جودة التنظيم الذي اتسم به افتتاح بطولة الخليج الذي أسعدنا حقا .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *