تدخل الإمارات حقبةً تاريخيّةً جديدةً نشهد خلالها استكمال مسيرة البناء والازدهار التي أرسى دعائمها المغفور له الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيّان بقيادته مرحلة تأسيس الدولة، وواصلها الشّيخ خليفة بن زايد آل نهيان بقيادته أيضاً البلاد من التّأسيس إلى التّمكين فكان له الدّور الفاعل في كلا المرحلتين.

و كلما توالت السّنون و تواكبت تأكدنا دهراً بعد دهرٍ ما رمى إليه ابن خلدون في نظريّته بنشوء المدن و الحضارات فنلحظُ ثمّة تشابهٍ بين حال الواقع في الإمارات و ما رمت إليه تلك النّظريّة ثلاثيّة الأبواب من إسقاطات تحليلية فائقِة الدّقّةِ حيث شرحت باختصار مراحل تكوين هذا البلد العظيم ومظاهر قوتّها، ومن ثم أسباب الضّعف القابلة للوجود إذ تعتريها , و لعلّ أهم ما تحدّث به ابن خلدون و اعتبره المعظم ُ منّا ضرباً من ضروب التّنبؤ بالمستقبل، مسبقةً في مرحلة البداوة و عابرةً إلى مرحلة التّمدّن متأُّثّرةً بلا شكٍّ بالعوامل الطّبيعيّة و الجغرافيّة على حدٍّ سواء فأظهرَ غلبةَ غايةِ العمرانِ على الحضارةِ طالما أنّها تسير وفق قوانين مضبوطةٍ ومحدّدةٍ مع جميع المجتمعات دون استثناء على مرّ الأزمنة و كافة الأمكنة.

و طالما تبنّت تلك النّظريّة جميع العلوم و الثّقافات على اختلافها كعلوم الشّريعة، والجغرافيّة، والسّياسة، والعُمران، والاجتماع غيرَ متجاهلةٍ أحوالَ النّاس وطبائعهم يسودُها مبدأُ التّعاونِ ليجمعَ بين البشرِ فيكوّن أساس بقاءِهم رغم صعوبات و تحدّيات الحياة و ليمثّل حالة ً من حالات التّكيّف للتوازن و التأقلمِ المعيشي كتجمّع النّاس ِ في المناطق المعتدلة نسبيّاً مقارنة بحجبهم عن المناطقِ الحارة ِ الّتي يصعب العيشُ والعمرانُ فيها و كتجمّعِ المجتمعات حول الماء و الواحات و حجبهم عن المناطق القاحلة .

لم يتجاهل ابن خلدون ما للعيشِ من أوليّاتٍ غريزيّةٍ و معيشيّة ٍ كتوفير الغذاء و الملبس و المسكن فكان الباب الثّاني من جوانب الحضارة ليتبعه التفّكر بالتفرّغ للكماليات كالزّينة و القراءة و التّأمّل و باقي حيثيّات الحياة ، أمّا عن الأنظمة المفروضة على النّاس و الّتي بمؤدّاها ترنو لتحقيق الحياة الأكفّأ و الأكثر تناغماً مع النّفس البشريّة فلا بدّ أنّها تواجه في أوّل الأمرِ مصاعبٌ جمّة ؛ وذلك لأن النّفس البشريّة لم تعتد عليها أوّلاً و لأن تحقيقها ليس بالأمر السّهلِ ثانياً .

حقبة تاريخية

و كلّما دققنا النّظر في نظريته نلحظ ُ دقّة التّشابه بينها و بين ما تخطو إليه دولة الإمارات العربيّة المتّحدة نحو حقبةٍ تاريخيّةٍ جديدةٍ من الازدهار الاقتصاديّ، يقودها الشّيخ محمد بن زايد آل نهيّان رئيس الإمارات؛ فها هي تحقّقُ هذه العريقة اليومَ و في فترةٍ وجيزةٍ ما لم تحقّقه غيرُها بمئاتِ السّنين من إنجازات هامّة ٍ وجلّ ضخمة وذلك من خلال مسيرتها الحضاريّة المدفوعة بالرّؤية الاستشرافية للتوجّهاتِ الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والخطط الاستراتيجية المتنوّعة والّتي ترمي إلى إرساء أسس الاقتصاد الوطنيّ القويّ و الّذي يدفعُ عجلةَ التّنمية الشّاملة ِ والمستدامةِ بما يحقّق الرّخاء والازدهار للوطن والمواطن على حدٍّ سواء.

وتواصلُ دولةُ الإمارات، بقيادة الشّيخ محمد بن زايد، مسيرتها الرّائدة لتبدأ مرحلةً جديدةً تصبو إلى تحقيق المزيد من الطّموحاتِ و المستهدفات الوطنيّة دافعةً بعجلةِ التّنمية الشّاملة لبناءِ مستقبلٍ مستدامٍ للأجيالِ و لتكون مثالاً حيّاً لأسمى معالي القيم والمبادئ والرّكائز الوطنيّة بدءاً من تعزيز الازدهار و نهايةً بخلقِ القيمة الأولى و الأمثل لبلدان العالم أجمع و ذلك من خلال خلق بيئةٍ متناغمةٍ من الاستقرارِ الماليّ تسودها استدامة الموارد الطبيعيّة و البشرية و الماليّة ولتكون المُنتِج الأوّل و المؤثّر في قطاع النّفط و الغاز محليّاً و عالميّاً.

لكنّ التخوّف من ماذا ؟

فساد الفرد

يقول ابن خلدون: إن فساد الفرد الواحد ينشر فساده بين أفراد مجتمعه ومحيطه فيعمُّ التّرفُ والبذخُ وطاعةُ الشُهواتِ وغلاء السّلعِ و يصبح هناك علاقةٌ وثيرةٌ بين المال والجاه حتّى يصبحَ صاحبُ المال فقط من تُحلُّ مشكلاتِه على المقدار الذي يملكه .

و على ذلكَ لا نستغربُ حزمَ و صرامةَ القانون و سيادته( كخطّ دفاع و إجراء وقاية ) في بلد تنشد التّقدّمَ و ترنو للسّيادةِ العالميّة بخطّة اقتصاد الخمسين ذات سرعة وتيرة الانجاز لبناء الاقتصاد التّكامليّ المتوازن بدعمِ ريادات الأعمالِ و المشاريع الصّغيرةِ والمتوسّطة و فتح الفرص للاستثمار الأجنبي متمثّلاً بالقطّاعين الخاص و العام وزيادة الحوافز الاستثمارية والعمل على مزيدٍ من التّنويع الاقتصادي خلال العقود المقبلة معزّزةً بتوطيد أواصر الأخوّة والعمل المشترك بين دول مجلس التّعاون الاقتصادي الخليجي لتحقّقَ تعاونا ً يعكس إيجابيّات المرحلة بتحقيق الأمن والاستقرار والتّنمية.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *