الكاتب محمد الكلابي

 

 

ترفع ساقها, تُقطّع كلّ ملابسها, كلّ ما يجعلها تحتضن الدفء بسبب البرد الذي كانت تعيشه في ذلك الصندوق المزعج من حياتها, تضع إبهامكَ في شفتيها الخارجيّة, يساعده إبهام اليد الأخرى, تحاول شم ذلك العطر الذي كان مدفوناً وسط كلّ الأغلفة المسيئة لطعمها الملائكي, تقذف على وجهكَ بضع قطرات من سائلها المقدس, تفتح جزئيها على مصراعيهما, تضع لسانكَ لتتذوق طعمها, ذلك الطعم الذي كنتَ غافلاً عنه لفترة طويلة, يشدّكَ كلّ ما فيه لتناولها دفعة واحدة, لكنّكَ ستختنق!, ستخنقكَ بحجم ثمرتها وبعض الخيوط التي تعطيكَ طابع الجمال الإلهي المضاف لتلك الصورة الإعجازيّة, تتناولها أول مرّة ليداعب لسانكَ أجزائها الطريّة في فمكَ, أهذا ما كنتَ تحتاجه من فيتامينات تساعدكَ على التخلص من نزلة البرد التي أصابتكَ البارحة؟, أحقاً تحتاج لكلّ تفاصيل تلك البرتقالة الشهيّة بمواصفاتكَ الدقيقة لتتخلص من الخمول الذي أصابكَ بعد ليلة البارحة الحقيرة؟.

ماذا حدث البارحة؟, ألا تذكر يا موسيقار الأحلام؟, لقد كنتَ تجلس, في كومة قش الذكريات التي غرقتَ فيها كإبرة حزينة, كنتَ تتذكر آخر مرّة رقصتَ بها, تلك المرّة التي كانت بين ذراعيكَ علبة السجائر و زجاجة الويسكي اللعينة, ترقص تحت المطر, تحت كابوس الرعد الذي أخاف ملابسكَ ولكنّكَ كنتَ في نشوة غريبة, كنتَ تفكر في ذلك العطر الغريب الذي شممته على يديها, ذلك العطر الذي خلق الحبّ لأول مرّة في صخرة صدركَ, يا عزيزي الحبّ يُخلق من نظرة, عطر, قبّلة و حتى من حرف لامس زجاج نافذة سيارتكَ و أنت تدهس الهواء قرب مرأة مشعّة فعالّة, الحبّ لغة المنحرفين عن أهواء الكون, نحن المنحرفون قد نطقنا الحبّ لأول مرّة عندما كان القديس يصلّي مع رعيته و أنتَ تحتسي الشاي مع فتاة أحلامكَ في الشارع المقابل, لكلّ فصيلة بشريّة إيمانها الخاص و قدّاسها المفضّل, كان قدّاسكَ نظرة و رشفة, لقد عانيتَ من الزكام نتيجة رقصكَ وحيداً تحت المطر, و الآن قد أصابكَ لأنّكَ تذكرت, الذكرى مشاعر حقيقية, الذكرى حالة وجدانية و نفسيّة يعيشها الجسد بكلّ تفاصيلها, وها قد عشتَ الحبّ مرّة أخرى, مرّة أخرى وحيداً, مع ذكرى الزكام المزمنّة و علبة السجائر, و برتقالتكَ المثيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *