محمد الكلابي
عندما تبكي السماء, عندما تنزل أول قطرة مسرعة, عندما تطرد الهواء الذي يحاول أن يحتضنها, الذي يحاول أن يسألها عن سبب كلّ هذا الحزن, تتجه نحو الشخص الوحيد الذي بإمكانه أن يمتص ألمها, الذي يستطيع أن يحول حزنها إلى زهرة, تتجه نحو الأرض, ترتمي على ذراعيه بغضب, بألم, ثم تنادي لشقيقاتها, تعالن, هنا تسكن الآلام, في التراب.
عليكَ أن تبكي, تبكي طويلاً, فالأزهار تنتظر ملوحة ألمكَ لتنمو, لتشرق!, عليك أن تحزن كلّ العمر لتُعطِ هذه الأرض خضرتها, عليكَ أن تستمر بالعطاء, حتى و إن كنتَ وحيداً, حتى و إن متَّ وحيداً, على فراشكَ البارحة, عليكَ أن تنهض من موتكَ, فالأرض تحتاج لمخصبين مخصيين مثلكَ, مثلكَ يا لعنة الفراعنة.
هل تتذكر يوم بعتَّ نفسكَ للشيطان؟, يوم بعتَّ نفسكَ لنفسك؟, هل تتذكر علامَ وقعت؟, على عبودية أبدية للألم, لتلك الأوجاع التي لا تأتي إلّا في المساء, عندما تنام الشمس التي كانت تحرق كلّ طفيليات حزن, كانت إبتسامتها تنهي كلّ شيء, تبني كلّ شيء, أجل يا عزيزي, تلك الإبتسامة التي كنتَ تنام معها فجراً ثم تستقبلها في الحادية عشر صباحاً هي سبب الطاقة الغريبة التي كنتَ تقاتل بها يومكَ المشؤوم المملوء بالمنغصات البشريّة, كنتَ تحاول أن تنهي عملكَ قبل أن تغفو هي, قبل أن تنام وهي حزينة, قبل أن تنام حزينة وهي لم تُطرب لسانها بكلمات غزل من فمكَ البدائي الراهب.
لم تُداعبها بأحقيّة, لربّما إمتنعت عن الشروق لهذا السبب, لربّما قد وجدت في كتف عريض آخر منبراً ليشرق رأسها المعطّر ثم يغرب غافيّاً على الجانب الآخر, الجانب الآخر لكتفكَ الذي بدأت آلام الشيخوخة ترقص فيه, أ لهذا قد سقطت منكَ سيجارتكَ البارحة؟, أ لهذا قد طردت كلّ السائل من زجاجة الويسكي إلى غربة جسدكَ؟, أ هكذا تُروى الذكريات يا غبي؟.
لقد نصحتكَ بأن تفسخ عقد العبودية, لقد طلبت منكَ أن تبدأ في مضاجعة السماء, أن تبدأ في صنع الغيوم, أن تكون أنتَ المطر لا من يُمطر عليه!, أن تبحث عن أرضكَ من جديد لا تكون مدينة فضيّة زائلة فكلّ الملائكة قد بدأت تهجرها لأنّها أصبحت عتيقة الطراز, من يبحث الآن عن فاكهة و أعناب!, من يبحث عن نهر و ولدان؟, من يحبث عن الجنس مع هيئات لا يعرفها!, حتى الملائكة أصبحت تحتاج الحديث, تحتاج أن تتحاور حول نوع القلم الذي يكتب قصتها قبل أن تبدأها!, تحتاج أن تشعر قبل أن تُقبّل!, تحتاج الحديث قبل أن تمارس الجنس.
لقد نصحتكَ و لم تأخذ النصيحة, أعطيتكَ من أعتق نبيذ في عقلي و لكنّكَ قد سكرت بزجاجة الويسكي من أوسخ بار في المدينة, من كتب المعممين و تلامذة الدينيين المغتربين عن الدين, لم أكن أنكحكَ بل كنتُ أنصحكَ!.