قد تمطر السماءُ بُردا او مايعرف بـ(الحالوب) وهذه ظاهرة طبيعية تحدث في فصل الربيع نتيجة التقاء كتلتين هوائيتين باردة وحارة، ولطالما تلقينا الحالوب باحجام مختلفة، تتسبب احيانا بتحطيم زجاج السيارات، او (تفشيخ) السائرين في الشوارع، ولكنها على العموم ظاهرة طبيعية وسريعة الزوال،..
وليس غريبا ايضا ان تمطر السماءُ ضفادع ، برغم غرابة الظاهرة، ولكنها حدثت مرات في العراق والعالم، وبعد استغراب كبير، وجد العلماء تفسيرا لمطر الضفادع، وهو عندما تكون هناك رياح شديدة، عواصف او اعاصير، فأنها تحمل معها الاجسام الصغيرة، ومنها صغار الضفادع (الدعاميص) لتُلقي بها في مكان اخر عندما تهدأ شدتها، فتتساقط تلك الدعاميص فوق اسطح المنازل وعلى رؤوس المارة، فيتصاعد نقيقها وهي تتقافز من مكان الى اخر وباعداد هائلة محدثةً رعبا وهلعا بين الناس!! ..
وقد تمطر السماءً اشياء اخرى غريبة او مألوفة، ولكن لم نسمع او نرى يوما انها امطرت قمامة او نفايات،
ولكن على الرغم من علم الجميع الى درجة اليقين، ان امرا من هذا لم ولن يحدث يوما، الا اننا عندما نستيقظ صباحا نجد شوارعنا وقد اغرقتها القمامة والنفايات، من كل صنف ونوع، فينظر احدنا الى السماء عسى ان يجد اثرا او دليلا يشي ان هذه القمامة نزلت من السماء! فيرتد اليه بصره وهو حسير، فلا دليل ولا اثر يدل على نزولها من السماء!! اذن هل انشقت الارض واخرجت اثقالها والقت بقمامتها فوق سطحها؟!! ايضا لا دليل ولا اثر يدّل على حدوث امر من هذا القبيل!!!
حسنا، اذن من اين خرجت او نزلت هذه القمامة؟!! يبدو انه سؤال سيحيّر العلماء ردحا من الزمن، كما حيرتهم ظاهرة سقوط الضفادع!!!
اما نحن فالامر لدينا واضح، ولسنا بحاجة الى التفكّر او التحليل، او التدبّر، فالثابت لدينا علميا، ان السماء لاتمطر قمامة، فهذه قمامتنا ايتها السيدات ايها السادة، نعم انها قمامتنا، ولم يلقها علينا الساحل،
ولكن لماذا قمامتنا لديها كل هذه الحرية في الحركة والتجول في الازقة والساحات والشوارع من دون قيود او موانع؟.. ربُ قائل يقول، انها سقوف الحرية العالية السائدة في البلد، هذه الحرية التي منحت الناس “حق” التصرف بقمامتهم، فيلقونها انّى شاءوا ومتى شاءوا ، من نافذة السيارة، من شباك المنزل ، او عبر السطوح، ولا يبالون بالمكان الذي يرمونها فيه، في الشارع او في النهر، على الرصيف، او عند بوابة المنزل.
لو حدث هذا الامر في بلد اخر، لعُد جريمة يعاقب عليها القانون، ولو ذهب احدنا الى اي بلد لالتزم بالنظافة، ولا يجرؤ على رمي “گطف جگارة” في الشارع، اما عندنا فالوضع مختلف، فهذا “بيتنا ونلعب بي” ونحن احرار في رمي قمامتنا او نحتفظ بها في منازلنا!!
وهنا فان ظاهرة مثل هذه وقد عرفنا اسبابها ومسبباتها، فان الامر بحاجة الى وضع المعالجات والحلول الناجعة للقضاء عليها تماما، فالعالم اليوم فتح افاقا واسعة في الاستثمار في النفايات، بعد اعادة تدويرها، والاستفادة من مخرجاتها،بما يخدم التنمية والاقتصاد، ولستُ بصدد الحديث عن استثمار قمامتنا فهذا امر يبدو صعب، لاسباب كثيرة، انما يجب الذهاب باتجاه وضع عقوبات رادعة بحق المخالفين، من قبيل فرض غرامات على صاحب اي منزل يتم ضبط وجود نفايات امام بابه، بصرف النظر عن مصدرها، وكذلك الحال بالنسبة لاصحاب المحال التجارية، التي تعد المصدر الابرز للنفايات الجوالة، وتُسجل ايرادات للبلدية، مع تسيير سيارات جمع النفايات في كل مكان، يرافق ذلك حملات توعوية وتحذيرية بذات الوقت عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، يشارك فيها الفنانون والرياضيون والادباء والشعراء ورجال الدين والتربويون، وغيرهم، لاننا نقف ازاء سلوك اجتماعي سائد نحتاج خطة كبيرة لمعالجته، تبدأ من الاسرة الى المدرسة وصولا الى الجامعة والمجتمع.. فالسماء لاتمطر قمامة.. اليس كذلك؟!!
—-