مرت الصحافة العراقية في تاريخها الطويل بمتغيرات عديدة وتجاذبات أدت في أحيان كثيرة إلى تردي العمل الصحفي وضعف في أداء النخبة الإعلامية بسبب جملة عوامل سياسية وإقتصادية وإجتماعية .
منذ عام 1869 وهو التاريخ المفترض لإنطلاق مسيرة العمل الصحفي في العراق كانت نقابة الصحفيين ومنتسبوها في شد وجذب مع أنظمة الحكم نتيجة الصراع السائد وتقاطع الرؤى الفكرية والسياسية بين النخبة المثقفة والسلطة المستبدة ولا ننسى صراع الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي تولى رئاسة النقابة لفترة محدودة مع نظام الحكم السائد في حينه من أجل قضايا الشعب .
لقد عمل الصحفيون العراقيون على تكريس مبدأ التضحية من أجل الحقيقة خلال العقود التي مرت من عمر التجربة العراقية . ولعل السنوات التي تلت عام 2003 ودخول القوات الأمريكية إلى البلاد أفرزت شكلاً مغايراً للعمل الصحفي لكنه أدى إلى إنكفاء نخبة من الصحفيين الذين لم يعبروا الضفة الأخرى والذين لم يواكبوا المرحلة الجديدة والذين عملوا طوال فترة الحكم السابق حين غادر معظمهم إلى خارج البلاد ليعملوا في منظمات دولية ووسائل إعلام عربية وأجنبية وفضلوا البقاء في المهجر على العودة إلى الوطن. وهناك من أثر الإنسحاب المر والبقاء بعيداً عن الأضواء كالصحفي القدير سجاد الغازي الذي بقي معتكفاً أو مقيماً في سوريا ومعانياً من المرض .
وبرغم ذلك التحدي الكبير إلا إن ظهور نخبة صحفية شابة وتنوع أشكال العمل الصحفي من خلال القنوات الفضائية والصحف والإذاعات ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية التي أستوعبت فئات عديدة من الباحثين عن الفرص والذين لم يجدوا مكانهم في العهد السابق كان عاملاً حاسماً في رسم صورة للإعلام العراقي بدت في أول ظهورها مخيبة للآمال وغير واضحة المعالم لكنها سرعان ما تكشفت مع صعود موجة من الأسماء التي ترسخت في الأذهان وإنطبعت في الذاكرة الجمعية للرأي العام الصحفي والأوساط المثقفة وربما سرقت الأضواء من الأسماء التقليدية التي لم تستطع مواكبة المتغيرات ومنها ما كان له السبق في أكثر من مضمار .
إن هؤلاء المبدعين الذين أصبحوا النخبة من بين الصحفيين قد إستوعبوا في فترة قياسية آليات العمل الصحفي الجاد في مجال تحرير الخبر والإدارة والتحليل وكتابة المقال وإنطبق عليهم وصف ( النجوم الشاملة ) الذين يجيدون ويتقنون مهارات العمل الصحفي وما يحيط به ومثلوا ظاهرة في الصحافة العراقية وأسسوا لثقافة معنى الحرية في العمل الصحفي وعدم النكوص والخوف والتراجع .
من الواضح إن هؤلاء الصحفيون يشكلون ظاهرة صحفية في الإعلام العراقي الجديد تستحق الدراسة والتأمل والمتابعة والدعم خاصة وأن العراق مقبل على متغيرات كبيرة في مجال العمل الصحفي وحركة الإبداع والثقافة والتأسيس لإعلام حر ومستقل بعيد عن التحزب والطائفية .