أحب رائحة الغسيل المعطر
الخارج تواً من الغسالة الأوتوماتيك
ذلك الصندوق السحري الذي لم تعرفه أمي إلا مؤخراً
قبل الرحيل بقليل..
وأنتظر بشغف لحظة رفع الستار عن باب البلكونة الموصد على الأسرار
أعشق صرير الباب الخشبي الذى لا يُفتح على الكواليس
ولا غرفة ملابس الممثلين
ولا أقنعة المهرجين
وأتحين لحظة الاقتحام لنشر الغسيل
البلكونة جزء عزيز من البيت المنطوي على نفسه
الحافظ لأسرار العائلة
وذكريات الطفولة
وهجمة العالم المتحضر من فوق شاشة ال LCD المراوغة
البلكونة فضولية، متمردة
تخرج على الأصل، كغصن أخضر يبرز من شجرة ضخمة
مزروعة فوف جراج السيارات
البلكونة عالم صغير
مفتوح على العالم الأكبر
أحب نشر الغسيل في الصباح الباكر
حتى يمكنني أن أمارس تمارين الطاقة
وأعيد شحن أحلامي الليلية التي يبددها النهار
يبهجني مشهد البيوت الناعسة، والتي تمسح عن أعينها آثار النوم
وتلك الحمائم ذات الأجنحة الملائكية، التي تغادر أبراجها، فى دورة حياة يومية..
لا بحثاً عن المنصب
ولا المال
ولا السلطة
لكن عن الحرية
أن تروح وتجئ
وتدور فى أشكال بديعة ومنتظمة
كمسبحة من اللؤلؤ تضئ في الظلام
أتأمل تلك الأشعة الذهبية الساقطة فوق رؤوس العباد،
كخيوط عرائس الماريونيت
وذلك الأفق الممتد بعيداً،
كمحطة أخيرة في مترو الأنفاق
لكنى كلما نظرت إلى حبل الغسيل
شعرت بالدوار
من تلك المسافة الشاهقة
بيني وبين الشارع
بيني وبين رغبتي في صنع فنجان من القهوة المغلية
في اجتياز هذا الحاجز الحجري بين طفولتي التي عشقتْ الطيران
ورجولتي المخذولة أمام منشر الغسيل!
حبال الغسيل ثعابين تتلوي في الفراغ البارد
والمشابك قيود بلاستيكية تحكم قبضتها على العالم
قررت أن أغمض عينييّ وأعصر خمر الغسيل كنبوءة لا تحتاج إلى تفسير
ومثل السنوات العجاف،
ستمضي سنوات الرخاء
وسأظل أتساءل
كيف يقفز المنتحرون من فوق الأبراج
وناطحات السحاب
دون شبكة للأمان مشدودة بين جبلين
أو حبل للغسيل معلق في السماء
وسأظل أسأل كانط
كيف يمكن أن أفكر دون ميتافيزيقا؟
وأسأل سارتر
كيف يُقذف الإنسان إلى العالم، دون خالق،
ويحيا دون أن يعانى فوبيا السقوط؟
وأسأل كامو
كيف لقانون العبث أن يدفع سيزيف إلى الصعود المتكرر
رغم السقوط؟!
وأسأل نفسي
كيف لهؤلاء الذين لم يتربوا في سيرك
ولا عانوا يوماً من عادة السير أثناء النوم
أن يمشوا دون خوف
فوق حبل الغسيل!)