الحكومات المتعاقبة التي لم تتمكن على مدى عشرين عاما من القضاء على ظاهرة التسول التي فاضت بها تقاطعات البلاد ، لا تعلقوا عليها آمالا عريضة لبناء دولة تستعيد أمجادها التاريخية ، وتسترجع ثقلها في موازين الدول ، نفخر بمعاقبة المجرمة عذراء الجنابي التي عنفت ابن زوجها حتى الموت ، بينما يُعذب المئات من الأطفال الرضع من نساء يمتهن الكدية أمام أنظار رجال الأمن في سيطراتهم ، وعند مراباتهم في الأسواق ، ولا أحد يتجرأ على محاسبتهن ، بينما يتلظى الصغار بين أيديهن تحت لهيب شمس آب الصاهرة حتى للأسفلت ، علينا معرفة ان الأطفال أبناء الدولة ، وانها الأم الرحوم بهم ، حتى وان كانوا أبناء هذه النسوة اللواتي تجلدت قلوبهن بالطمع ، فتخيلوا كم عذراء في بلدنا ؟
الحكومات التي لم تستطع بالرغم من شعاراتها وبرامجها والاطلالات الخلابة لمسؤوليها من على الشاشات التصدي لغزوة ( التكاتك ) التي تنامت بسرعة مذهلة في قلب العاصمة ومراكز المدن ، وتنتشر بطريقة سرطانية بين الأحياء والأزقة ، يقودها أطفال لم يبلغوا سن الرشد ، وغالبيتهم ممن تسربوا من المدارس ، ويتصرفون برعونة مخيفة جعلتهم أسياد الشارع بلا منازع ، ويمرون من أمام رجال المرور بأريحية تامة ، بينما يُحاسب سواق المركبات لعدم ارتدائهم حزام الأمان او عدم تجديد سنويات سياراتهم ، وبدل أن تعمل هذه الحكومات على قمع هذه الظاهرة غير الحضارية لبلد يراد له أن يكون جديدا كما قيل لنا قبل عشرين عاما ، أعطت للظاهرة شرعيتها بتسجيل ( التكاتك ) في دوائر المرور واستيفاء رسوم التسجيل ، ولذلك لا تصدق كل من يقول لك ان هذه الحكومات التي تتعامل بهذه الطريقة مع ظواهر تسيء للدولة أن تعيد المياه لأنهرنا واحياء أرضنا وانعاش أهوارنا ، بينما نتطلع لتأمين غذائنا ، وتشغيل معاملنا الصغيرة وليس الكبيرة ، بدل أن تظل رقابنا بيد من تعرفون ، كم هو مؤسف أن نحلم بإنتاج ( حليب بلادي) ، صدقوني بناء البلدان يبدأ بما هو بسيط من معجون الطماطة الى مساحيق الغسيل ، وليس من معامل صناعة الأسلحة البايولوجية او الكيميائية كما ظن السابقون .
الحكومات التي تعجز واحدة من دوائرها المرورية عن اصلاح الاشارات الضوئية العاطلة في تقاطع منذ شهر ، مثل هذه الدوائر والجهات التابعة لها لا تنظر للانسان قيمة عليا اطلاقا ، وفي عداد الكذب قولها انها جاءت لخدمته ، فموت انسان واحد بحادث مروري في هذا التقاطع لا يقدر بثمن أبدا . فأين هي من هذه القيمة ؟ .
الحكومات التي فشلت وعلى مدى عقدين ومازالت في شق طريق خاص للزائرين يليق بمقام ابي الأحرار الأمام الحسين (ع) ومدينة كربلاء المقدسة ، فيه من الجمال ما يبهر العالم تشجيرا وتعبيدا ومحطات استراحة مصممة خصيصا ، يوازيه طريق لقطار خاص وغيرها من المرافق المهمة لراحة الزائرين ، وتكليف جهات بصيانته وادامته على مدار السنة ، ومحاسبتها في حال الاخلال به ، بدل المواكب العشوائية التي تغلب البدائية على الكثير منها ، مع شكرنا الجزيل لكل من نظمها ، وبادر الى اقامتها ، فالمناسبة متواصلة ولن تتوقف ، ولابد من التفكير بتيسير أداء طقوسها والارتقاء بخدماتها واكسابها أعلى معايير الجمال شكلا ، فهل يُراد لنا عشرون عاما أخرى لنبلغ حلما لطالما راودنا منذ الطفولة .
ومع تعثر الذين شمروا عن سواعدهم مبكرا للقيام بهذا المشروع الذي يعطي خصوصية وهوية تاريخية وفلكلورية لشعبنا وبلدنا تميزه عن الآخرين ، فلا تصدقوا انهم قادرون على تأسيس دولة على أسس راسخة عصية على الاختراق من الآخرين .
لابد من قرارات صارمة لجعل مدننا جميلة ومنظمة وحضارية ، ولن يتحقق ذلك ما لم يحسب الما دون حسابا للأعلى ، وما لم يؤمن المنفذون بتلك القرارات ، وعلينا أن نعرف ان لكل قرار متضررين ، ولكن يبقى الهدف هو المعيار ، فمراعاة المتضررين على حساب النظــام والتحضر وجمال المدن والالتزام بالقانون ، لا أظنه طريقا سليما لتحقيق طموحاتنا التي انتظرناها طويلا .