حرب غزة أجلُّ ما نطلق عليها اسم “إماطة اللثام” لانها أزاحت القناع عن مواقف الدول في ابعاد كثيرة منها البعد السياسي والعسكري، والاقتصادي، والعقائدي بشكل عام وعن حماس والكيان الصهيوني بشكل خاص، في ظل الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني المحتل اتجاه غزة والذي لا يميز في تدميره بين الحجر والبشر، وبين المعسكر والشجر، عبر صواريخه التي يطلقها من الجو والبر والبحر، وهذا يوضح لنا ان القضية الفلسطينية لم تعد قضية تضامنية فحسب وإنما باتت أمناً قومياً لدول المنطقة، وتحديداً في إطار مخططات التهجير ومايجري من احداث في غزة والضفة الغربية، ومن هنا تتضح معالم هذه الابعاد وهي كالاتي:

البعد السياسي: اتضحت مواقف الدول الشقيقة والصديقة والقريبة والبعيدة، الداعمة وغير الداعمة، واصبحت المواقف واضحة ولا يمكن لمساحيق التجميل ان تغير ملامحها، لان الخطاب السياسي للدول العربية والإسلامية مازال بعضها يعتمد على سرديات عاطفية ثورية، والكثير منها يعتمد على خطاب الشجب والاستنكار ولكن بلغة ناعمة لا ترتقي لحجم الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني اتجاه غزة، وهذا يؤشر على غياب الحل السياسي للقضية الفلسطينية، كما أن هجوم حماس وما تبعه من الرد الإسرائيلي، نبهَّ العالم إلى ضرورة إيجاد حل سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية، وإذا لم يتم التوصل لحل يرضي الفلسطينيين والعرب، فستظل المنطقة تتنقل من حرب إلى أخرى، بينما مواقف الدول الغربية السياسي فضلاً عن الولايات المتحدة الاميركية هو يعتمد على ازدواجية المعايير، والثنائية بالمواقف، مثلاً نجدهم يتحدثون بالقانون الدولي وحقوق الانسان، واتفاقيات جنيف، واحترام قواعد الاشتباك لما يحصل بين روسيا واوكرانيا، بينما تغيب كل هذه المواقف الغربية والامريكية اتجاه ما يرتكبه الكيان الصهيوني من اجرام في قطاع غزة، وهذا يوضح لنا التوجه الأمريكي الغربي للحضور في غلاف التبني من اجل قيادة القرار السياسي “الاسرائيلي”، مقابل إطلاق يد جيش الاحتلال الصهيوني بتدمير غزة بصرف النظر عن المطالبات الدولية، والمنظمات الانسانية، فضلاً عن استخدام امريكا حق النقض لقرارات مجلس الامن ضد إسرائيل، لان امريكا تروم إعادة إسرائيل إلى “بيت الطاعة” عن طريق الدعم العسكري الكبير من أجل القضاء على حماس، خصوصاً بعد عدة تمردات على الإدارة الامريكية منها التوغل في العلاقات مع الصين، فيما يتعلق بإدارة الموانئ وهذا بالتاكيد يزعج امريكا، وكذلك إسرائيل رفضت دعم اوكرانيا عسكرياً ومالياً بسبب وجود الروس على حدودها في سوريا، كل هذه المعطيات توضح لنا الدعم الامريكي الكبير لاسرائيل.

البعد العسكري: اظهرت مكامن قوة حماس ومكامن ضعف جيش الاحتلال الصهيوني، الذي لطالما صدعوا رؤوسنا بالترويج له بإنه الجيش الذي لا يهزم ولا يقهر خلال (٧٠) عام وهزم الجيوش العربية، ولكن بعد (٣٦) يوم من عملية طوفان الاقصى اثبت انه الجيش الأسوأ اخلاقياً وعقيدته قائمة على اساس القتل والتدمير، حيث استطاعت حماس خلال ساعات من كسر ما يسمى “غلاف غزة” وتدمير دبابات ومدرعات بملايين الدولارات باسلحة خفيفة وصواريخ محلية الصنع، جعلت من الكيان يدخل في صدمة كبيرة حتى اصبح يتوسل بدول العالم عن طريق عرض افلام مفبركة لذبح اطفال واغتصاب نساء، حتى اصبحوا يطلقون على حماس “داعش” من اجل تحشيد دولي لمحاربة حماس، والان الحرب على غزة تدخل يومها (٣٦) ولغاية الان لم يحصل الجيش على اي نتائج تعيد له هيبته بين دول العالم ماقبل ٧/ اكتوبر على الرغم من القصف الذي استهدف المستشفيات، والمراكز الصحية، وخزانات المياه، والمخابز وكل ما يسمح لسكان غزة بالبقاء تم تدميره وهذا يظهر لنا عقيدة جيش محتل قائمة على اساس القتل والاجرام.

البعد الاقتصادي: على الرغم من امتلاك معظم الدول العربية والاسلامية ادوات ضغط كبيرة ممكن تسهم في تغيير معادلة الحرب واجبار جيش الاحتلال الصهيوني على ايقاف العدوان على قطاع غزة على غرار قرار ١٩٧٣ عندما استخدمت الحظر النفطي، الامر الذي جعل الادارة الامريكية تضغط على الكيان للقبول بإيقاف الحرب، خصوصاً ان اوربا تعاني من ازمة طاقة في ظل الحرب الروسية الاوكرانية وهم مقبلون على فصل شتائيٍّ عاتٍ وهذا القرار سيكون له تأثير كبير إذا ما تم تطبيقه، لان تكلفة اليوم الواحد من الحرب على غزة تقدر بربع مليار دولار، وحكومة الاحتلال حصلت على (14) مليار دولار كمساعدات من الولايات المتحدة الاميركية، فضلاً عن المعدات والذخائر والاسلحة والقنابل الذكية ذات التكلفة العالية، مع خسائر بالارواح والمعدات والاليات، كل هذه المعطيات ستكون عوامل ضغط لاجبار جيش الاحتلال على ايقاف الحرب، ولاسيما أنَّ الدم العربي الفلسطيني المسلم هو الاشد غلاءً على الإطلاق .

البعد العقائدي: كشفت لنا حرب غزة حضور الجانب العقائدي بين الدول العربية والاسلامية وتراشق بالتصريحات والتخوين، وكل جهة تحاول تصدر المشهد عبر الإعلام والعدو يتفنن بتدمير البنى التحتية في غزة وقتل المدنيين، اي ان معادلة الهويات الفرعية كانت حاضرة، بالوقت الذي يجب ان تكون وحدة الساحات، والقرار والمصير متوحدة بدل هذه المهاترات، والتجاذبات التي لا تقدم اي شيء لأبناء غزة ولا تخدم القضية الفلسطينية، على العكس من الدول الغربية وامريكا نجد وحدة الموقف والتحشيد الإعلامي للوقوف مع الكيان الصهيوني ضد حماس.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *