إن الخير والشَّر قديمان ومتجدِّدان، قديمان لأنهما وُجدا منذ أن خُلقت الخليقة، ومتجدِّدان لأنهما يمتلكان القدرة على الوجود الدائم استنادا إلى استمرارية وجود الأسباب والعوامل التي تساعدهما على البقاء، وهما قيمتان متضادتان متخاصمتان على طول السبيل، فالخير يأخذ معناه من كل ما هو نّافع وحَسَن، في حين يأخذ الشَّر معناه من كل ما هو مضاد للخير، أي من الضَّرر والأذى والعدوان والتَّجاوز على حقوق الآخرين، ومن الخطيئة والمعصية، والشَّر ابتلاء، ويقول الله سبحانه وتعالى (ونَبلوكم بالشَّرِّ والخيرِ فتنةً وإلينا تُرجعون) (35 ــ الأنبياء)، والخير بيد الله العلي العظيم: (بيدِكَ الخيرُ إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ) (26 ــ آل عمران)، ولا أدري كيف سمّى الشاعر الفرنسي شارل بودلير وهو من أبرز شراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم كتابا شعريا له باسم (أزهار الشَّر)، فهل للشَّر أزهار؟.
إن الخير فضيلة والشَّر رذيلة، الخير استقامة والشَّر اعوجاج، الخير إيجابي على الدوام والشَّر سلبي دائما، الخير رحمة وتراحم وتواد وإحسان، والشَّر عنجهية وتخاصم وعداوة وغلٌّ، الخير خصب ونماء والشَّر أرضُ خراب، والخيِّرون لهم أيادٍ بيض في كل أرض، والأشرار (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) (10 ـ البقرة)، ويرد إلى الأذهان هنا قول حاتم الطائي لابنه عدي: (أي بني إن رأيت أن الشر يتركك إن تركته فاتركه)، وهذه حكمة بالغة الأهمية، وقيل إن لقمان الحكيم قال لابنه: (اترك الشَّر يتركْكَ)، وهنا لا بد من أن نقول: علينا أن نكون بالمرصاد للشَّر، وأن لا نقف مكتوفي الأيدي إزاء رعونته ونوازعه العدوانية وتجاوزه على القيم الأخلاقية والمجتمعية العالية، وخير النّاس من فعل الخير وترك الشَّر، وما أحرانا أن نتمسك بقول الإمام علي بن أبي طالب (كرَّم الله وجهه) الذي جاء فيه: (افعلوا الخير…فإن صغيره كبير وقليله كثير)، فالخير حقٌّ والشَّر باطل.