أنحنت عليه وطبعت على جبينه قبلة مضمخة ببعض الدموع وهي تلقي عليه النظرة الاخيرة شأنها شأن الكثيرين ممن دُعوا لحضور الجنازة من المجتمع الراقي …لم تكن تعلم انها ستكون بهذا القدر من الاهتمام العالي ولم تكن تعلم انه على هذا المستوى من المنزلة الاجتماعية ….لقد عاشت معه الستة شهور الاخيرة من حياته كمريض مجرد مصاب بالسرطان ….لم يكن يعنيها من هو وما هو مركزه الاجتماعي ….لقد استطاعت بيداء ان تنسيه حتى انه مريض ….أو إنه في في مستشفى لأمراض السرطان الخاص ……..كان عندما يفتح عينيه يجدها تبتسم عند رأسه وتخبره بإنه هذا اليوم في تحسن …وان الطبيب المشرف يؤكد ذلك حتى إنه أوصاها بتلبية كل طلباته …فقل يا سيدي ماذا تريد انا تحت امرك ……كان يجيبها بابتسامة لا تخلو من يأس سرعان يهرب منه على عجل …..ويطلب منها ان تعطيه يدها وان تسنده ليعتدل على السرير …..ثم تناوله فطوره المعتاد …والعلاج …..بعدها تسنده على كتفها لتأخذه الى البلكونة التي يطل جانباً منها على البحر …..وتاخذ لها مكاناً الى جانبه او تعود لترتيب الغرفة وتبديل الزهور ….او تقرا له بعض الأشعار …او تحكي له عن الكثير من المعذبين في الارض وان حالته بسيطة اذ ما قورنت بمن فقدوا نصف أعضائهم في الحرب ….كن مطمئناً سيدي ان حالتك بسيطة وستخرج معافى …رغم انك ستترك في قلبي لوعة لا استطيعُ تحملها ….ثم تنطلق الدموع من عينيها كأنها ستفارقه غداً الى مثواه الأخير دون ان يشعر بذلك …….هويربت على كتفها ويخبرها انه سيأخذها معه الى الريف ويريحها من اعباء المدينة …..تعلق كل منهما بالاخر ……وهما يعرفان كل المعرفة أنهما سيفترقان قريباً ولكن ظل كل منهما متفانياً في خدمة صاحبه …………ألا تظن انه الحب ياسيدي هذا الذي يجمعنا بهذه اللهفة وهذا الاشتياق …وإني هجرت شقتي منذ أن فارقت النوم فيها وتعودت ان أغفى على يدك ………يا إلاهي وهل لديك شك يا بيداء في صدق مشاعري ……ثقي يا عزيزتي اني اشعر كأني في الفردوس وليس في مستشفى ……….وكل تفكيري هو كيف أعالج هذه المسألة بعدمغادرتي ……….وهل ستأتين معي …….؟!!!!!
تمت مراسيم الجنازة وطلب منها المحامي ان تاتي معه الى مكتبه فهناك وصية ملزمة من قبل المتوفى ويجب ان تكمل الأوراق …………لقد أوصى لها المرحوم ببناء مستشفى خاص لأمراض السرطان ……في احدى ضواحي المدينة وان يسمى باسمها …….. وان تقوم هي بإدارته والإشراف على تأثيثه ..