أول قرصنة قام بها عدي بوصفهِ رئيس التجمع الثقافي هي الاستيلاء على مؤسسة السينما والمسرح، ولما اعترض وزير الثقافة حامد يوسف حمادي ونشر مقالاً خجولاً في جريدة الثورة؛ تحجَّجَ بهِ بحذرٍ من كون بناية السينما والمسرح بحاجة إلى ترميم وطلاء، أجابه ابن الرئيس عن طريق جريدته بابل بمقال وقح قال فيه:
- سنرمِّمُ كل شيء ونطلي القديم من جدرانها.
بإشارة واضحة إلى أنَّ دور الحرس القديم قد انتهى وما عاد ينفع مع تطلعات الرئيس والحزب والثورة؛ وهكذا صارت بناية السينما والمسرح خلال أيام مقرَّاً للتجمع الثقافي الذي أصبح نائبه الأول ملحنَّاً معروفاً هو الفنان فاروق هلال؛ فيما أصبح نائبه الثاني شاعراً يكتب القصيدة العمودية هو رعد بندر. عمَّتْ الفوضى وارتبكتْ أعمدة الثقافة العراقية من رأسها حتى أخمص قدميها في ذلك الحصار القاسي؛ ومنهم مالك ابن الريب الشاعر يوسف الصائغ الذي كان المدير العام للسينما والمسرح؛ إذْ ما عاد يعرف أين أصبح مكتبه في بناية السينما والمسرح؟ فيما تمَّتْ إقالة كبار الشعراء من مناصبهم في الصحف وباتوا يجلسون على رصيف بقرب كشك صغير للبعثي المتشدِّد مؤيد عبد القادر؛ وهم يبيعونَ سرَّاً بين أسبوع وآخر حاجة ثمينة من مقتنيات منازلهم لسدِّ رمقهم، بينما في جهة أخرى تصاعدت بشكل لافت أغاني المطربين المراهقين في تلفزيون الشباب؟ في مشهد دراماتيكي لم يصدقه الناس؛ واشتهرت أغنية هيثم يوسف «يا ناس رحموا بحالي» كالنار في الهشيم. في تلك الفوضى العجيبة صدر أمراً عاجلاً بإناطة مسؤولية تحرير الصفحات الثقافية في جميع الجرائد الحكومية لزمرة من الأدباء الشباب بعضهم كان مقرَّباً من دائرة ابن الرئيس، فأصبح خالد مطلك على ثقافية الجمهورية ومحمد تركي النصار ثم جواد الحطاب على ثقافية الثورة وسعد جاسم ثم عبد الستار البيضاني على ثقافية العراق والمترجم أحمد حميد ثم محمد مزيد على ثقافية القادسية؛ فيما أصبح عبد الزهرة زكي مع وسام هاشم على ثقافية جريدة بابل؛ وكما هو واضح غدتْ الثقافة العراقية تحت سطوة التجمع الثقافي بشكل كامل في ذلك الحين. وصار النشر عشوائياً بشكل لا يصدق في جميع الصحف، حتى أنَّ جريدة ابن الرئيس أصدرت ملحقاً ثقافياً بأربع صفحات يومياً وراحتْ تنشر لكل من هبَّ ودبْْ في براري الثقافة العراقية؛ لكن والحق يقال نتيجة هذا الانفتاح انتعشتْ قصيدة النثر ونشرتْ جريدة بابل نصوصاً في منتهى الجرأة منها قصيدة السيطرات التي كتبها صديق الغجري، وتناولها بالنقد علي الفواز وعلي عبد الأمير. في ذلك المناخ الغريب والمضطرب أقيمت انتخابات اتحاد الأدباء مع سريان إشاعة مفادها أنَّ جميع الأدباء سيقبضون راتباً شهرياً من قبل الرئيس. جرتْ تلك الانتخابات في قاعة المهندسين الزراعيين، وكان صديق الغجري في ذلك اليوم يحتسي ابنة الكروم مع جان دمو وكزار حنتوش في حانة مبتذلة في أحد أزقة الميدان، حتى أقبل أحد أترابهم من الصعاليك وحفَّزهم للاشتراك في الانتخابات؛ تحمَّسَ للفكرة صديق الغجري مع الحنتوش؛ فيما صرخ جان دمو بهما متذمِّراً:
- ما فرقكما عن الحمار؟
وانصرف غاضباً من الحانة؛ بينما ذهب صديق الغجري مع كزار إلى قاعة المهندسين الزراعيين؛ وهناك كان الوضع متوتراً ومشحونًا؛ كل رجالات الثقافة من الحرس القديم كانوا حاضرين بما فيهم رئيس الاتحاد عبد الأمير معلَّة الذي أيقن أنَّ عرش ولاية الأدباء سيُنتزع منهُ قسراً بعد ساعات. بدأت الترشيحات؛ وكانت المفاجأة المدويَّة حين رشَّحَ كزار حنتوش نفسهُ على منصب رئيس الاتحاد منافساً لرعد بندر وخزعل الماجدي، فضجَّتْ القاعة بالتأييد؛ فيما اقترب عباس الجنابي سكرتير ابن الرئيس طالباً من الحنتوش سحب ترشيحه على رئاسة الاتحاد فأجابهُ كزار بشكل قاطع:
- أنا رشَّحتْ لرئاسة الاتحاد؛ ولنْ أتراجع عن قراري.
اقترح الجنابي عليه:
- سيكون فوزك مؤكَّداً لو رشَّحتَ للمجلس المركزي.
ردَّ الحنتوش بإصرار:
- لقد رشَّحت لرئاسة الإتحاد وانتهى الأمر.
وهكذا صار أمام الناخبين رعد بندر وخزعل الماجدي والشاعر القروي كزار حنتوش كمرشحين لرئاسة الإتحاد، لكنَّ الغريب أنَّ الدكتور ضياء خضير ألقى خطبةً جريئةً بالحاضرين عندما أعلن عن ترشيحه لرئاسة الاتحاد قال فيها:
- سأعيد إلى اتحاد الأدباء هيبتهُ.
لكنَّهُ سرعان ما انسحب عن الترشيح بعد نصيحةٍ من رفاقه البعثيين. بالوقت الذي زفَّ الشاعر وسام هاشم نبأ مكرمة الرئيس السخية التي سيحصل عليها جميع الأدباء من اللجنة الأولمبية كمنحة مادية في كل شهر. بدأ الأدباء يقترعون بأصواتهم؛ بعد ساعة انسحب كزار مع صديق الغجري الذي رشَّح نفسه لعضوية المجلس المركزي إلى نادي الأدباء. وفي ساعة متأخرة من الليل أقبل الشاعر حميد قاسم ليخبر صديق الغجري عن فوزهما معاً بالانتخابات وقد صادق القاضي على أسماء الفائزين؛ ثُمَّ أخبرهُ بضرورة تجهيز هندامه؛ إذْ سيلتقي عدي بالأدباء الفائزين في اللجنة الأولمبية في الساعة التاسعة صباحاً؛ اختلط في رأس صديق الغجري الغزل؛ وكان لابد من مغادرة الجلسة ليستحم على أقل تقدير حتى لا يستنشق نجل الرئيس رائحته المزعجة وتحل الكارثة على رأسه.