يشهد العراق ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الانتحارالتي تكاد تتحول الى اخبار شبه يومية تنقلها الاخبار في العديد من المدن، وآخرها وليس اخيرها تسجيل رابع حالة انتحار في غضون 24 ساعة في العاصمة بغداد في يوم واحد بعد اقدام شاب على قتل نفسه بسلاح ناري قام بالانتحار باطلاق النار على رأسه من سلاح نوع مسدس، وقد دونت أقوال والدته التي أفادت بانه يعاني من مرض نفسي ودائما ما كان يهددها بالانتحار، كما أقدم موظف حكومي في وقت سابق على الانتحار في مكان عمله وتوفي على الفور بعد قيامه بأخذ بندقية الحرس وإطلاق النار على نفسه، الى جانب حالات انتحار الطلبة العديدة بعد اعلان نتائج الامتحانات والتي تمثل ارقاما صادمة وتخفي بين ثناياها حكايات واحداث مؤلمة. احصاءات كشفتها وزارة الداخلية العراقية لأول مرة عن حالات الانتحار في السنوات ال7 سبع الماضية بينت انه: (في سنة 2016 بلغت 343 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 449 حالة، وفي 2018 بلغت 519 حالة، وفي 2019 بلغت 588 حالة، وفي 2020 بلغت 644 حالة، وفي 2021 بلغت 863 حالة، وفي 2022 بلغت 1073 حالة انتحار).
وهذه الزيادة الكبيرة يقابلها عدم وجود معالجات او دراسات او خطط حكومية او مجتمعية للحد او التقليل منها، في حين تؤشر منظمة الصحة العالمية الى معاناة واحد من كل أربعة عراقيين من هشاشة نفسية في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، ويحتاج الكثير من الذين يحاولون الانتحار الى اطباء وعلاج نفسي ومصحات ومستشفيات متخصصة للحد من حالات الانتحار.
كما ان المعالجة القانونية لظاهرة الانتحار مازالت محصورة ضمن نطاق نص المادة(408) من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969ألمعدل والتي فرضت عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حرض شخصا او ساعده بأية وسيلة على الانتحار اذا تم الانتحار بناء على ذلك، وتكون العقوبة الحبس اذا لم يتم الانتحار ولكن شرع فيه، اما اذ كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة من عمره او كان ناقص الادراك او الارادة عُذّ ظرفا مشددا ويعاقب الجاني بعقوبة القتل عمدا او الشروع فيه –حسب الاحوال-اذا كان المنتحر فاقد الادراك او الاارادة، ولا عقاب على الشروع في الانتحار، ولم يفرض المشرع وضع المنتحر الذي حاول الانتحار في المصحات للعلاج.
لكن التطبيقات القضائية وواقع حال المحاكم يبين قلة الاحكام الصادرة في حالات التحريض او المساعدة على الانتحار، رغم ان المشرع في اقليم كوردستان قد عدّل المادة(408) عقوبات باضافة جريمة جديدة وهي جريمة (التسبب في الانتحار) والتي طالت العديد من المتهمين الذين تسببوا في انتحار زوجاتهم او بعض من افراد عوائلهم.
ان ازياد حالات الانتحار يعود الى اسباب كثيرة أهمها انتشار المخدرات والسلاح المنفلت في البلد، وحالات الاعتداء والعنف الأسري والبطالة والثراء الكبير للبعض مع الفقر الشديد للكثيرين وفقدان العدالة والشعور بالظلم لدى الكثيرين ممن طالت سنوات انتظارهم للفرج، ولم يتحقق أي حل للعديد من أزمات ومشكلات البلد الاساسية مثل خدمات الكهرباء والماء والسكن والصحة والامن والتعليم.
درجات حرارة
العراقيون ينتحرون لان هناك الكثير والكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والامنيه والسياسية والدينية والمجتمعية، بل وحتى درجات الحرارة التي تنخفض او ترتفع الى درجات قاسية من دون معالجات حكومية سواء بتوفير الكهرباء والماء او سكن لائق بآدمية الانسان، وتأثير وسائل وبرامج التواصل والمسلسلات المدبلجة والبرامج التي تشجع او تدفع البعض من الشباب والشابات الى التقليد ومحاولات الثراء السريع مع انتشار البطالة والتدين الشكلي او المظهري الذي يمثله الفقر الثقافي والفراغ الديني والنفسي الذي تعيشه الشخصية العراقية التي فقدت البوصلة في اين تسير او الى اين تتوجه بسبب الحروب والصراعات والازمات التي مرت على هذا البلد.
ان فقدان الامل والشعور بالضياع واليأس لعشرات الآلاف من الشباب الخريجين وغيرهم والذين لا يجدون فرصة عمل في وطنهم ومشكلات البلد الدائمة والمستديمة وفساد السياسيين والطبقة الحاكمة التي تعمل لمصلحتها فقط كلها اسباب تدفع العراقيين الى الانتحار.