يبدو أنّ القائمين على أمر الثقافة العراقية – وسياساته الاعلامية – قد أصابتهم عدوى مقاولي الارصفة المقرنصة . البنى التحتية البغدادية والعراقية في أسوأ أحوالها . هذا ليس مهماً . المهمّ هو ماتراه العين . لاعليك بالحشوة . إختر لوسادتك قماشاً مزركشاً وحسب ؛ ولن يهتمّ الناس بعد ذلك بأن تكون محشوة تبناً أم ريش نعام .
لاأعرف سرّ الوضاعة وفقدان الثقة بالنفس اللتين يعانيها المسؤولون العراقيون الممسكون بأمر الثقافة العراقية . يبدو أن لاثقة لهم بالمنتوج الوطني ولم يعملوا أصلاً لتوطين الثقافة العراقية على الرغم من أنّ بعض أكابر الصحفيين والاعلاميين العرب كانوا عراقيين خلّصاً خريجي المدرسة الصحفية العراقية الرصينة . عندما نفكرُ بمجلة أو مطبوع عراقي خارج الحدود المحلية فسنلهث على الفور وراء أسماء بعينها ، ولنا في تجربة العراق أيام ثمانينات القرن الماضي شاهدة وبيّنة . سيسيل لعاب هؤلاء بالطبع ؛ إذ أنّ كلّ أمر له ثمنه المدفوع بالدولارات ( الحلوة ) ، وسيكون هؤلاء أملس من الافعى طالما يستلمون شيكاتهم كلّ شهر ؛ لكن عند أول بادرة تأخير في دفع المستحقات الدولارية سيفكّون ارتباطهم بك وقد يوقعون عقوداً مع ضدّك الآيديولوجي . هذا ماحصل بالفعل ؛ لكننا لانتعلّم .
لو أردت حقاً أن تتعلّم من تجارب غيرك فلابأس في هذا .
أطلب أسماء بعينها ودعها تعمل بأجر معلوم ، ولابأس أن يزيد قليلاً عن نظيره العراقي ؛ لكن أن تلغي وجودك كله وتتصوّر أنّ أسماء إعلامية أو صحفية بعينها ستقلب حالك وتعيش حالة مفصلية ليس قبــــــــــلها كما بعدها فتلك أضحوكة وأكذوبة تنطويان على قلة ثقة بالنــــــــــــــفس وعدم الشعور بالمسـؤولية إزاء المال العراقي ، هذا إذا إفترضنا حُسْن النية ؛ أما سوء النية فجوهره لعبة تخادمية يريد أصحابه التكسّب من مال يبدو مصروفاً في أنشطة إعلامية تخدم العراق .
السيدة الاولى
إعلان عن احتفال بمجلة عراقية عنوانها يبدو فخماً كبيراً ( السيدة الاولى ) ، وكالعادة التي يبدو أنها صارت تقليداً عراقياً فقد دُعيت بعض الوجوه الاعلامية والفنية التي صارت أقرب إلى ( الطماطة التي تحضر في كل طبخة هزيلة) . سيأتي هؤلاء وتفرشُ لهم السجاجيد الحمراء ، وستتكفل سيارات فخمة بنقلهم إلى مكان الاحتفال ، وسنرى الكثير من مظاهر التكلف وتقليد الآخرين . ماذا يرادُ من هذه الاحتــــــفاليات الفخمة (الفخامة هنا بمعنى المكلفة مالياً ) ؟
هل يراد القول أنّ العراق بلد غني ؟ وهل صار غنى العراق مبذولاً أمام غير العراقيين بغير حـــــــــــساب ؛ أما العراقيون فـ ……. ( أكملوا العبارة كما تشاؤون ) .
سيقول لك المتنفذون وراسمو السياسات : هذا حال الدنيا ونحن لسنا شذوذاً عن الحال السائد . سأجيبك : وهل نحن قردة لانجيد سوى التقليد الاعمى ؟ هؤلاء الذين تصرف عليهم ملايين الدولارات سيأكلون من ( ماعونك ) ويتنعّمون بدولاراتك لبضعة أيام ، ثم سيغادرونك وينسونك تماماً . ماالذي كسبته الثقافة العراقية منهم ؟ هل كسبنا إعلامياً ؟ هذه أكذوبة . الجميع يعرف تفاصيل الوضع العراقي وحالة الفساد الطاغية فيه ، ولسانُ حالهم يقول : ولماذا لانستفيد من بعض فساد هؤلاء . جاءتنا اللقمة إلى فمنا ؛ وليس إلا الغبي من يرفسها . سيقول لنا ( واضعو السياسات وفلاسفة الاعلام ) : العراق دولة نفطية غنية ، وعليه أن يتشبه بدول الخليج . طيب ، تشبّه بهم أولاً في رصانة بنيتهم التحتية ثم افعل ماتشاء . أنت بفعلك الحالي تكون كمن يسرق أهل بيته الفقراء لكي يتبرّع للجامع .
جهد ومثابرة
الثقافة الحقيقية نتاجُ جهد ومثابرة واجتهاد وليست صنعة ملابس مبهرجة و (نجوم ) منفوخين يركبون جكسارات . أذكر عندما كنتً أعملُ سكرتيرة تحرير مجلة ( الثقافة الاجنبية ) في ثمانينات القرن الماضي قبل أن أتقاعد عام 1984 ، كنّا نعدّ لكل عدد فصلي قبل ستة شهور من موعده ، وكنّا نعدّ المحاور السنوية الاربعة في رأس كل سنة ، ثمّ كنّا نكاتبُ أفضل المترجمين والكتّاب العرب والعراقيين وكنّا نصرف لهم مكافآت مجزية . كثيرون ممّن صاروا أسماء أدبية وترجمية لامعة خرجوا من معطف ( الثقافة الاجنبية ) أو مرّوا بأفيائها الظليلة . كنّا نعمل عملاً جدياً ممهوراً بالاصالة ؛ ولأجل هذا بقيت المجلة علامة مميزة في تاريخ المطبوعات العراقية والعربية الرصينة. العمل الجيد يصنعه أناسٌ يحبون التعب والدقة والتجويد في العمل إلى اقصى درجاته الممكنة ؛ أما محبّو البهرجة وال ( شو ) الاعلامي فتلك حكاية أخرى سمّوها ماشئتم . غريبٌ أمر وزارة الثقافة العراقية ومستشاري الثقافة العراقية . جوائز الابداع العراقية شحيحة إلى درجة مخجلة لاتليق ببلد نفطي عند مقارنتها مع الجوائز الخليجية .
هنا لاأحد يقول لك أن العراق بلد نفطي لأنه لايريد الانفاق على العراقيين . شهيتهم مفتوحة للانفاق على العرب فحسب ، وياليتهم طرقوا الابواب الصحيحة في الانفاق على أفضل العقول العربية . لايعرفون سوى دعوة هذه الاعلامية أو ذاك الاعلامي من المتخومين بالمال أصلاً .
كم توسّمنا خيراً في أساتذة أكاديميين تولّوا أمر الثقافة العراقية ، ثمّ عندما صاروا مستشارين للثقافة لفّتهم عجلة واقع الحال وفرضت سطوتها عليهم وهم صامتون .
أقول لهؤلاء المستشارين : لقد خيّبتم ظنّنا فيكم ، والعاقل لاينبغي أن يُخدع مرّتين .
عن صفحتها على (فيسبوك)