‬في‭ ‬أحد‭ ‬الصباحات‭ ‬الشتائية‭  ‬وبعد‭ ‬تحرير‭ ‬الجزء‭ ‬الشمالي‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬الموصل‭(‬منطقة‭ ‬كوكجلي‭ ‬وحي‭ ‬الزهراء‭ ) ‬جاءتنا‭ ‬الأخبار‭ ‬المفرحة‭ ‬بوصول‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والسجائر‭ ‬والوقود‭ ‬وكارتات‭ ‬شحن‭ ‬الموبايلات‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬المحررة،‭ ‬وكانت‭ ‬الرواتب‭ ‬متوقفة‭ ‬ونعاني‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬السيولة،‭ ‬ولكن‭ ‬إخواننا‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وبابل‭ ‬واربيل‭  ‬لم‭ ‬يتركوا‭ ‬حيلة‭ ‬إلا‭  ‬وسلكوها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيصال‭ ‬مبالغ‭ ‬لنا‭ ‬لكي‭ ‬تستمر‭ ‬الحياة،‭ ‬،‭ ‬وبعض‭ ‬إخواننا‭ ‬قسم‭ ‬راتبه‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬وارسله‭ ‬بكل‭ ‬طريقة‭ ‬عونا‭ ‬لنا،‭ ‬فكنت‭ ‬مرة‭ ‬استلم‭ ‬التحويل‭ ‬من‭ ‬عطار‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العطارين‭ ‬ومرة‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬العائدين‭ ‬من‭ ‬أربيل‭ ‬بعد‭ ‬رحلة‭ ‬علاج‭ ‬ومرة‭ ‬ثالثة‭ ‬ورابعة‭ ‬وهكذا‭ ‬حتى‭ ‬مرت‭ ‬الأزمة‭ ‬فجزاهم‭ ‬الله‭ ‬كل‭ ‬الخير‭ ‬عنا،‭ .‬

خرجت‭ ‬صباحا‭ ‬من‭ ‬بيتي‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الايسر‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬المحررة‭ ‬وتعتبر‭ ‬منطقة‭ ‬سكني‭ ‬حينها‭ ‬ارض‭ ‬حرام‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬والعصابات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬بعد‭ ‬مسير‭ ‬مضن،‭  ‬وأنا‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬فارغة‭ ‬ومليئة‭ ‬بالقنابر‭ ‬الغير‭ ‬منفلقة،‭ ‬واسلاك‭ ‬الكهرباء‭ ‬المتدلية،‭  ‬وأثار‭ ‬قصف‭ ‬الطائرات‭  ‬وحفرها‭ ‬العميقة،‭ ‬‭ ‬والحوانيت‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬ابوابها‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬القصف‭ ‬و‭ ‬العمارات‭ ‬المتهدمة‭ ‬والدور‭ ‬التي‭ ‬هجرها‭ ‬أهلها‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬المعارك،‭ ‬والكلاب‭ ‬السائبة‭ ‬التي‭ ‬تسرح‭ ‬وتمرح‭ ‬بين‭ ‬جثث‭ ‬الارهابيين،‭ ‬وبعد‭ ‬مسير‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬شاهدت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬بشرا‭ ‬يمشي،‭ ‬رفع‭ ‬يده‭ ‬للسلام‭ ‬مبتسما‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬معرفتنا‭ ‬ببعض‭  ‬وسألني‭  ‬هل‭ ‬انت‭ ‬ذاهب‭ ‬للتسوق‭ ‬،هززت‭ ‬راسي‭ ‬بالإجابة‭ ‬ومشينا‭ ‬نحكي‭ ‬لبعضنا‭ ‬أهوال‭ ‬مامر‭ ‬بنا،‭ ‬وقد‭ ‬هالني‭ ‬حجم‭ ‬الدمار‭ ‬الهائل‭ ‬بالمنطقة،‭  ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬المكتظة‭ ‬بالمتبضعين‭ ‬الذين‭ ‬يشترون‭ ‬بجشع‭ ‬ونهم‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬الضعف‭ ‬والهزال‭ ‬على‭ ‬سحناتهم،‭  ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬الحاجة‭ ‬ام‭ ‬الاختراع‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬العربات‭ ‬التي‭ ‬يدفعهأ‭ ‬الصبية‭ ‬محملة‭ ‬بالخضر‭ ‬والفواكه‭  ‬واللحوم‭ ‬والسجائر،‭ ‬استأجرت‭ ‬احدهم‭ ‬وعبأت‭ ‬العربة‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬وقود‭ ‬تشغيل‭ ‬المولد‭ ‬الكهربائي،‭ ‬وأنا‭ ‬راجع‭ ‬اتفحص‭ ‬حجم‭ ‬الخراب‭ ‬تذكرت‭ ‬العزير‭ ‬عندما‭ ‬مر‭ ‬بالقرية‭ ‬الخاوية‭ ‬على‭ ‬عروشها‭ ‬قائلا‭ ‬أنى‭ ‬يحيى‭ ‬الله‭ ‬هذه‭ ‬بعد‭ ‬موتها،‭ ‬استغفرت‭ ‬الله‭ ‬ومضيت،‭ ‬تم‭ ‬التحرير‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬واخذ‭ ‬الناس‭ ‬كل‭ ‬يرمم‭ ‬داره‭ ‬وذاك‭ ‬يصلح‭ ‬حانوته‭ ‬ومطعمه،‭ ‬حتى‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصبه‭ ‬أذى‭ ‬كبير‭ ‬أخذ‭ ‬يصبغ‭ ‬ويعيد‭ ‬ديكورات‭ ‬محله،‭ ‬بعد‭ ‬ايام‭ ‬قليلة‭ ‬عادت‭ ‬المولدات‭ ‬الأهلية‭ ‬تزأر‭ ‬بهدير‭ ‬محركاتها‭  ‬لم‭ ‬تمضي‭ ‬أشهر‭ ‬إلا‭ ‬والحياة‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬الساحل‭ ‬الشرقي‭ ‬للمدينة،‭ ‬بدأت‭ ‬الدولة‭ ‬بتململ‭ ‬وتؤدة‭  ‬تعيد‭ ‬من‭ ‬نشاطها،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬الفضل‭ ‬للأهالي‭ ‬الذين‭ ‬اعادوا‭ ‬بناء‭ ‬مدينتهم‭ ‬ودبت‭ ‬الحياة‭ ‬بعروقها،‭ ‬لانخفي‭ ‬سرا‭ ‬إذ‭ ‬ماقلنا‭ ‬أن‭ ‬للمنظمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬دورا‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬دبت‭ ‬إليهم‭ ‬عدوى‭ ‬الفساد‭  ‬الحكومي‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الشر‭ ‬أهون،‭ ‬طوبى‭ ‬لكم‭ ‬ايها‭ ‬العراقيون‭ ‬لم‭ ‬تبخلوا‭ ‬بالدم‭ ‬على‭ ‬اوطانكم،‭ ‬وطوبى‭ ‬للمتحضرين‭ ‬من‭ ‬اهل‭ ‬الموصل،‭ ‬وطوبى‭ ‬لللحمة‭ ‬العراقية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تسامت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاختلافات،‭ ‬نعم‭ ‬ياسيدي‭ ‬ياعزير‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬المدن‭ ‬بعد‭ ‬موتها‭ ‬،‭ ‬إذا‭ ‬الشعب‭ ‬يوما‭ ‬أراد‭ ‬الحياة‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يستجيب‭ ‬القدر‭ .‬

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *