منذ اكثر من عقدين كنت اراها في المكان ذاته.
تجلس وهي تلتف بعباءتها السوداء دون مكياج,وتنظر دون انتباه الى الشارع.ولا تهتم لاحد.
سنوات طويلة صنعت هذه الراهبة صورة لها في مكان محدد هو مدخل شارع الجمهورية من جهة باب المعظم تحت احد العمارات حيث وجدت ملاذا لها.
هناك في ذاك المسرح الصامت كانت تقوم بدورها الذي استمر اكثر من عقدين.دور صامت جدا.وما عدا بعض كلمات تستخدمها للتعامل مع من يشترون منها فهي تظل صامتة طوال الوقت.
حين تعرفت عليها اكتشفت عالم الراهبة جيدا.وحيدة تعيش مع ام عجوز,وغير متزوجة.قلت لها نحن رفاق منذ سنوات لانني كنت اراها منذ التسعينات تجلس كما تجلس الان.
حاولت ان افهم اكثر.اردت ان اخرج الراهبة من دورها الصامت.شجعهتها على الحصول على راتب الرعاية الاجتماعية.وكنت احاول ان اخفف عنها بعض تفاصيل حياتها الصعبة.وهكذا حتى غابت الراهبة عن المسرح لعدة ايام,ثم طالت المدة لاكثر من شهر.واذا صديق لي يمثل على الرصيف ايضا دوره يخبرني بانها رحلت بعد مرض الم بها.في هذه اللحظة شعرت بندم كبير وتقصير اتجاه هذا الكائن الصامت.
لن انسى ملامحها الخالية من اي تعبير.ملامح جافة جدا كأنها تعلن رفضها لكل شيء.
كما لن انسى كذبة العدالة والديمقراطية التي تركت هذه الراهبة وحيدة طوال كل تلك السنوات.