وضع عدته على منعطف الشارع المؤدي الى مبنى الاذاعة والتلفزيون وجلس على كرسيه الصغير وبدء يتمتم بقراءة المعوذتين وصور اخرى قصار ثم رفع صوته قليلا وقال .. يافتاح يارزاق ياحافظ ياعليم ارزقنا وارزق الاخرين يا الله ثم شرب شايه الساخن وبدء يستعد للعمل .

نشر عدته ورتب علب الصبغ حسب الوانها والحاجة لها ووضع كل فرشاة على جهة وبسط قطعة القماش على ساقيه وانتظر اول زبون كمن ينتظر وليدا . بعد لحظات حياه فنان يعرفه وطلب منه تلميع حذائه برقة وادب واثناء انشغاله بها كان الفنان يسأله عن احواله المعاشية وهل يكفي هذا العمل احتياجات المعيشة التي اصبحت صعبة في هذا الزمن وقل الذين يهتمون بمظهر احذيتهم ؟
قال وهو يحني رقبته على الحذاء :الحمد لله الرزق وفير ونعمة الله واسعة وكافية لسد احتياجات البيت وارسال الاولاد للمدرسة والصرف عليهم وهذا هو المهم .
قال الفنان : لكنك تقدمت في العمر واصبحت بحاجة الى من يعمل بدلا عنك لترتاح انت في شيخوختك .
قال ماسح الاحذية : راحتي عندما ارى كل ابنائي اكملوا دراستهم وحصلوا على شهادات تتيح لهم وظائف محترمة تقيهم الحاجة للغير والعمل بمهنتي هذه التي يدزريها البعض وتسبب لاولادي حرجا مع زملائهم يوم يسألونهم عن وظيفة ابيهم وقد اختفي من حياتهم حال اكمالهم الدراسة لكي لايأتي من يعيرهم بمهنة ابيهم بعد ان يصبحوا موظفين في الحكومة.
طيب خاطره الفنان وقال له: ان مهنتك شريفة وتكسب رزقك بالحلال وانت خير من كثير مما نرى من الذين يعتاشون من كد غيرهم وودعه بعد ان وضع بيده اجرة مسح حذائه .
سارت الايام سريعا وغزا الشيب مفرق ماسح الاحذية وكبر الاولاد وانهى اغلبهم دراسته الجامعية واصبح الابن الكبير رساما معروفا والثاني فنان والبنت تشكيلية تعينت في الاذاعة والتلفزيون يمر طريقها بأبيها الذي رفض ترك مهنته اعتزازا بها بعد ان اوصلت ابنائه الى مراتب متقدمة ورأى منهم قبولا وتفاخرا به وبمهنته اذا كانت البنت تفتخر بأبيها امام زملائها وتذهب ابعد من ذلك عندما تاتي بزملائها وتعرفهم عليه مفتخرة به ورغم انه كان يعنفها ليلا في البيت الا انها كانت تصر على ذلك حتى قال لها ذات يوم ( انك حتما ستجدين من يرغب بالزواج منك لكن الاتخافين ان يتراجع عندما يعرف ان اباك ماسح احذية فقير فتخسرين عريسا ارجوك كفي عن تعريف زملائك واصدقائك بي حفاظا على ( مصلحتك ) فردت عليه .. من يريدني عليه ان يعلم اني بنت من ولولا عدتك هذه لما كنت انا بهذا الموقع ومن يرى انك غير مدعاة للتفاخر لا حاجة لي به لازوجا ولاصديقا .
حدثت تغيرات مهمة في البلد طارت فيها رؤوس حاكمة واتت غيرها وسيطر الرعب والخوف على الشارع واصبح الانسان يسجن على الريبة والظن ويساق للموت بسبب وشاية كاذبة وذات يوم خريفي القت القبض مفرزة من امن بملابس مدنية القبض على ماسح الاحذية في مكان عمله على المنعطف المؤدي للاذاعة والتفزيون واقتادته الى جهة مجهولة وتفرقت عدة اشاعات عن سبب اعتقاله منها معارضته للحكومة الجديدة ومنها اتهام بأنتمائه لجهة سياسية معادية وبعد ايام لاتتجاوز الشهر سلمت جثته الى عائلته ليلا فأنفرط عقد العائلة بعد موته اذ مات الولد الكبير كمدا وهرب الاخرون الى منافي بعيدة وبعد سنوات طويلة قامت ابنته التشكيلية والتي حملت جنسية دولة اخرى بنصب تمثال له في نفس المكان الذي اقتيد منه وسيق الى الموت .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *