لم يكن من غير المتوقع انتصار إسرائيل عسكرياً في حرب غير متكافئة بالمطلق، ليس فقط على مستوى الإمكانات والقدرات الذاتية، وإنما على مستوى حلفاء كل طرف. فاسرائيل المدججة بالسلاح والمتمرسة على استخدامه من قبل جيش منظم كبير مدعوم بتقنيات اتصالات متطورة، وذات الساحل المفتوح على مياه البحر الابيض المتوسط والمسيطر عليه من قبلها، غير حماس غزة وقطاعها التي تعاني من حصار ورقابة شديدة حتى في مواد الغذاء والبناء، ناهيك عن السلاح والعتاد، الأمر الذي دفعهم الى ابتداع حفر الانفاق وشبكاتها الى سيناء مصر. أو حزب الله لبنان أو حوثيي اليمن وفصائل الحشد الشعبي العراقي، أذرع إيران في المنطقة

أما على جانب الحلفاء وقدراتهم واستعداداتهم للدعم أو عون كل طرف فحدث في الفرق الكبير بلا حرج. فحلفاء اسرائيل هي دول الناتو، بكل ثقلها وقوتها واستعدادها لاشعال حرب دولية كبيرة بسبب أمنها ووجودها. وهكذا تحركت الأساطيل والغواصات وقاذفات القنابل ودارت الأقمار الاصطناعية وتوجهت السفن بحمولات اسلحتها وذخائرها صوب اسرائيل، ناهيك عن العواصف والانذارات والتهديدات السياسية والإعلامية ضد هجوم حماس ومن يساعدها أو تسول له نفسه عمل شيء ما ضد اسرائيل.
أما على صعيد حلفاء حماس فلم تخرج طلقة واحدة من السلطة الفلسطينية أو مصر أو الأردن أو سوريا أو لبنان الدولة رداً على الهجمات الوحشية لاسرائيل ضد ابناء غزة ومؤسساتها المدنية قبل العسكرية.

بيد أن الجميع يعرف بأن حماس كانت قد اتكأت على النظام الايراني الذي دعمها وشجعها وسوق موقفه في العالمين الاسلامي والعربي باعتباره محرر القدس الجديد. واذا كانت ايران تدعم مالياً وعسكرياً لكنها تحرص ان تبقي المعركة بعيدة عن أراضيها وشعبها وجيشها ومؤسساتها. وهكذا قاتلت ايران بحماس في غزة وحزب الله في لينان وجماعة الحوثي في اليمن وفصائل الحشد الشعبي في العراق. واذا كانت مواقع ايرانية قد تعرضت الى هجمات اسرائيلية في سوريا، وحتى الى ضربات انتقائية محدودة في ايران فإن الأمر لم يتوسع ولم يمتد الى حرب شاملة ضد ايران ومؤسساتها الحيوية سواءً النووية أو النفطية.
منذ يوم أول أمس دخلت هدنة وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس، وشمل ذلك كل الحوثيين واقعياً بعد ان تم الاتفاق على وقف القتال مع حزب الله في لبنان.

هذه الأحداث تزامنت مع هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، وانتخاب رئيس للبنان، بعد أن قامت اسرائيل بتصفية الجزء الأكبر من القيادات السياسية والعسكرية لكل من حماس وحزب الله، وتدميرها شبه الكامل للقوة العسكرية لكل من حماس وحزب الله وتهديدها لفصائل الحشد الشعبي في العراق الموالي لايران والضغط باتجاه تفكيكها وحلها، ناهيك عن الضربات الامريكية والبريطانية لمراكز قوة ومواقع حوثية في اليمن، وما قامت به اسرائيل من فعل تدميري للقوة العسكرية السورية بعد سقوط نظام الأسد واثناء تولي الادارة الجديدة الحكم في سورية.

في كلمة تنصيبه كرر ترامب امنية انهاء الصراعات في العالم، وبالطبع لا يمكن أن يستثنى من ذلك صراع الشرق الأوسط. بيد ان السؤال سيبقى: كيف، وفي أي صورة؟

عندما نتذكر مقترح صفقة القرن والديانة الابراهيمية وموجة هرولة بعض الانظمة العربية للتطبيع مع اسرائيل آخر أيام ترامب، وما أشيع من لحاق السعودية بهم، يمكننا أن نتصور أن قطار التطبيع سيواصل مسيره في إطار أمنيات سلام الشرق الأوسط الترامبي، سيما وأن جراح المعركة البشرية والمادية والنفسية بحاجة الى تضميد واعادة بناء قوة وحشد كبير.
بقي أن نتحدث عن ما يمكن أن يحدث في ايران والعراق، وهو سيناريو ما يزال غامضاً في عقول وقلوب الغرب واسرائيل في اطار سياسة الاستخدام والاحتواء الممارسة، وبالطبع وفق جيواستراتيجية. هل سيكتفي ترامب واسرائيل بمزيد من الابتزاز للنظام الايراني واستمرار العقوبات لكي تستمر لعبة تهديد “الخراف بالذئب” والاستفادة من عروض حمايتهم وفرض شروطها عليهم، أم سيجري تغيير الاستراتيجية وقلع النظام الايراني وانهيار السلطة العراقية مع تحمل نتائج الفوضى المتوقعة، والتفكير بخطط تعامل جديدة مع الأطراف الأخرى؟

وأخيراً كيف سيبدو دور تركيا الجديد في المنطقة، وكيف سيتشكل النظام السوري الجديد وخارطة سوريا، وهل ستبقى القواعد الروسية؟

أعتقد أن تركيا ذكية في سياسة كسب ود ترامب والاستفادة من الأوضاع الجديدة، لكنها ستحرج السياسة الامريكية تجاه أكراد سوريا. ان مغادرة القوات الروسية من سوريا ليست سوى مسألة وقت، في حين سيدخل حزب الله في بعض سنوات سبات مثل كتائب القسام وحليفاتها.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *