أعرف شخصين معرفة تامّة منذ حوالي عشرين عامّا تقريبًا. هذا الشخصان زاملتهما في مكان عمل واحد. هم كما بديا لي (أول وهلة) يعرفان بعضهما منذ أيام الصبا، على الرغم من أنّ أحدهما يكبر الآخر بسنوات. تراهم يتعاونان حينًا، ويتشاجران أحيانًا. هذا أمر (طبيعي) في كثير من المهن، ويتناسب مع طبائع العراقيين الذين لا يُعجب غالبيتهم العظمى العجب، ولا صيام شهري شعبان ورجب، ولكن ما لا يدخل في باب (الطبيعي) أنّ مدة (الزعل) بين الزميلين العزيزين تمتد لشهور طويلة، بل قد تمتد لسنين! وأغرب من هذا كلّه أنّهما يعملان في غرفة واحدة!

 

وقد صادف أن قمت بزيارة لهما في شهر رمضان الجاري، وعند دخولي غرفتهما كان أحدهما خارجا لقضاء حاجة ما، ففكرت وقتها بمحاولة إقناع الشخص الموجود بالغرفة للتصالح مع رفيقه الآخر، منتهزا فرصة أجواء الشهر الكريم، وقد استقتلت في استمالة ذلك الزميل لقبول المصالحة مؤكدا أهميتها، وما تؤدي إليه من أجر إلهي جم سينال (هو) القسط الأكبر منه بوصفه البادي بالصلح! وقد خطر في بالي إذ ذاك أن أروي له قصة ما قيل إنه نزاع حصل بين الإمام الحسين، وأخيه محمد بن الحنفية عليهما السلام، هذا النزاع الذي تسبب في ابتعاد أحدهما عن الآخر، وبعد مرور ثلاثة أيام على تلك الجفوة ، بادر ابن الحنفية للذهاب إلى دار أخيه مصالحا لكنّه آثر أن لا يدخل البيت، وأن يكتب للإمام الحسين عليه السلام رسالة ذكرّه فيها بحديث شريف مفاده كراهية أن يتخاصم المسلمان فوق ثلاثة أيام، وأنّ خيرهما من يبدأ صاحبه بالسلام، وقد ضمّن ابن الحنفية رسالته -كما تقول الرواية التي لا أدري أين قرأتها – ضمّنها الطلب من أخيه أن يأخذ زمام المبادرة في الصلح فيكون هو صاحب الفضل الأول، وينال القسط الأكبر من الأجر! وما أن قرأ الحسين عليه السلام الرسالة حتى توجه من فوره لدار أخيه! وما كدت أن أنتهي من سرد الرواية حتى قاطعني الزميل العزيز بالهجوم هذه المرّة على محمد بن الحنفية نفسه ، فكيف لمحمد أن يتجرّأ فيطلب من الحسين طلبا غريبا كهذا ! وحين ذكرت له أنّ الحسين لبّى طلب أخيه عن رضا وقناعة بحسب مضمون الرواية بدت على قسمات الزميل علامات الاستهجان والامتعاض!

 

لا أدري أين قرأت المثل : ((رضي الخصمان وأبى القاضي)).

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *