صدر لي 25 كتاباً.. لكل كتاب قصة.. أكثرها قصص أليمة.. بل بعضها خطيرة قد أوصلتني الى السجن.. أو الى قطع رقبتي.. وسأقص قصة كل كتاب ليً.. وهذه قصة كتابي العقوبة
قصة كتابي “إيطاليا.. دراسة شاملة.. سياسية.. اقتصادية.. اجتماعية.. الصادر في روما ـ 1980.. كادت تودي بيً إلى الإعدام.. والحمد لله سلمت
تبدأ القصة عندما نقلتُ من مدير في مؤسسة الثقافة العمالية إلى وزارة الثقافة والإعلام.. بدرجة مستشار صحفي في ديوان الوزارة العام 1977.. وكعادتي ونشاطي.. سألتُ عن مهمة وأعمال المستشار الصحفي.. فلم أجدُ جواباً حقيقياً وعلمياً وعملياً لهذه الوظيفة
استطعتُ تقنين عمل المستشار الصحفي.. في دراسة علمية وعملية رفعت للوزير.. الذي أصدر أمراً وزارياً باعتمادها.. واعتبرت خارطة عمل لهذه الوظيفة.. ليصدر أمر تعيني مستشاراً صحفياً في السودان.. إلا إنني لم أباشر لقطع العلاقات بين البلدين.. بسبب محاولة انقلاب فاشلة ضد حكم جعفر النميري.. اتهم العراق بالمشاركة بها
بعد مدة قصيرة صدر أمر وزاري بتعيني مستشاراً صحفياً في ايطاليا.. باشرتُ العمل في روما.. ولم أجد أية معلومات عن الإعلام الإيطالي.. ولا أية دراسة عن المؤسسات الثقافية والفنية في إيطاليا
فبدأت العمل بتأليف هذه الكتاب ليكون دليل عمل ليس للمستشار الصحفي.. بل لأي موظف دبلوماسي أو إعلامي يعمل في هذه الدولة.. إضافة إلى انه معين لكل مسؤول لمعرفة هذه الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية.. إضافة إلى إنها تضم دراسة استقصائية وقاعدة بيانات موسعة عن مؤسسات الإعلام في هذه الدولة والإعلاميين والصحفيين وتوجهاتهم
حال انجاز هذا الكتاب أرسلت نسخة منه إلى وزارة الثقافة الإعلام.. ونسخة أخرى إلى وزارة الخارجية
لم يطل المقام.. فبعد حوالي شهر طلبت وزارة الخارجية مني إرسال (150) نسخة منه.. ووزعتا وزارة الخارجية حال استلامها إلى سفاراتنا في الخارج.. مشيرة إلى إن على كل سفارة أن تصدر مثل هذا الكتاب عن ساحة عملها.. ليدرس ويكون خارطة طريق للعمل الدبلوماسي والإعلامي والسياسي في الدولة المعنية
مثلما طلبت وزارة الثقافة والإعلام مني (100) نسخة من الكتاب.. ووزعتها على الدوائر والمراكز الثقافية العراقية في الخارج.. والى المستشارين الصحفيين العراقيين العاملين في الخارج للإفادة منه.. وتشجيعهم لإصدار مثل هذا الكتاب في ساحات عملهم
وهكذا شعرت كوادر وزارة الخارجية.. بشكل خاص.. بأنني خطر عليهم.. ولا بد من التخلص مني حتى لو وصل الأمر إلى سجني أو أكثر!!.. وبدأ العمل لخلق المشاكل ليً.. ومحاولة عرقلة عملي
فخلال سنة تم استدعائي مرتين الى دائرة المخابرات في بغداد للتحقيق معي حول أمور “خطيرة في ذلك الزمان”.. كترديدي اسم صدام ثلاث مرات في اجتماع رسمي.. مجرداً من عبارات الاحترام في والتبجيل.. كما ورد الاتهام والتحقيق
وجاءت عملية اقتحام مبنى سفارتنا في روما ومحاولة تفجيرها من قبل أفراد من المعارضة العراقية في 5 حزيران / يونيو / العام 1980.. وترك المهاجمين مبنى السفارة بسرعة ليكون خطوة في التخلص مني
فمع أول رصاصة اطلقت في ساحة السفارة.. خرجتُ فوراً من مكتبي الى الباب الداخلي للسفارة والقريب من حارس السفارة.. وشاركت في اطلاق الرصاص من مسدسي المزنجر الصغير نمرة 5 ومعي 3 اطلاقات فقط.. التي اعطتني اياه السفارة قبل اسبوعين.. وعندما اعترضت عليه.. قالوا ما عدنة وانت لا تحتاجه
والهجوم لم يستمر دقيقتين وهرب المهاجمون بعد ان اصيب الذي حاول الدخول إلى السفارة
برصاص حارس السفارة
المهم: جرى التحقيق في الحادث بعد مرور ستة اشهر على الحادث.. لكن رئيس لجنة التحقيق “محمد سعيد الصحاف” السفير في وزارة الخارجية.. المنسب للمخابرات العراقية آنذاك.. أصر على معاقبتي.. دون أي سبب.. ولا أي تقصير عندي خلال الحادث
فصدر تعميم (بيان) من وزارة الخارجية إلى كل سفاراتنا في الخارج.. ويقرأ علانية أمام كل موظفي هذه السفارات يشرح فيها الهجوم على سفارتنا في روما.. وتخاذل هادي حسن عليوي في صد الهجوم.. والكل يعرف إنني لست المسؤول عن أمن وحماية السفارة.. ومهمتي صحفية صرفة
المهزلة.. المسدس الذي زودتني به السفارة.. والعملية جرت في القنصلية المجاورة للسفارة.. وليست في بناية السفارة التي تتواجد فيها دائرتي.. ومع ذلك انني الموظف الوحيد الذي خرجت لمواجهة الهجوم
كما لم يقم أي موظف في السفارة بحمل مسدسه والخروج لمقامة المهاجمين.. بل ان القنصل في السفارة لم ينزل من مكتبه في الطابق الثاني.. وهو المسؤول عن أمن الوزارة
المهم: المهاجمون قتلوا حارس الباب الخارجية للقنصلية بكاتم.. ودخلوا القنصلية.. وهي عبارة عن غرفة صغيرة وسيطروا على من فيها.. بقي مهاجم في القنصلية رافع مسدسه… والثاني دخل من الباب الداخلي للقنصلية في محاولة لوضع حقيبة مملوءة بالمتفجرات .لتنفجر حسب التوقيت
الا ان حارس السفارة ما ان شاهده حتى افرغ الرشاشة عليه فأصيب وهرب هو وصاحبه.. كل العلبة لم تستغرق دقيقتين
اكتشفنا فيما بعد ان مسؤول مخابرات السفارة.. وكل اعضاء المخابرات وحتى حارس المخابرات لم يحضروا جميعهم ذلك اليوم الى السفارة.. ولم يحضروا للسفارة عند الهجوم بالرغم من الاتصال بهم.. وحضروا الى السفارة نهاية الدوام الرسمي.. وكان الوضع طبيعياً
تم نقل أربعة دبلوماسيين وموظفين أثنين من السفارة إلى بغداد.. كنتُ أحدهم.. لأحال على التقاعد بعد مدة قصيرة.. وكان الأربعة المنقولين أفضل الموظفين عملاً وإخلاصاً.. ومن سخرية قرار العقوبة إن أحد المعاقبين الأربعة لم يكن أصلاً في روما عند اقتحام السفارة.. بل عند أهله في مدينة الناصرية متمتعا بإجازة السنوية لمدة شهر.. واخر كان مجازاً.. وثالث حارس السفارة على الباب الثاني.. ولديه تعليمات مشددة عدم ترك الباب الذي يحرسها.. في أي هجوم ليس من بابه.. ولا يترك بابه أبداً
ان القنصل (مسيحياً) كان مصابا بأنفلونزا قوية.. ومجازاً لمدة اسبوع.. حضر الى السفارة حال سماعه بالهجوم.. لكنه عوقب ونقل الى بغداد بدرجة ادنى
– وكان كل المعاقبين من المسيحيين والشيعة.. والحارس المقتول شيعي ايضاً.. وهكذا أفرغت هذه السفارة من المكونات والأطياف الاجتماعية الأخرى.. واقتصرت السفارة على مكون واحد من مكونات المجتمع العراقي.. لتتبعها أكبر عملية تصفية لسفاراتنا من مكونات المجتمع العراقي والإبقاء على مكون واحد فيه
– المضحك بعد عام: أعادت وزارة الخارجية.. كذلك وزارة الإعلام طبع كتابي هذا.. وتوزيعه على سفارتنا ومراكزنا الثقافية في الخارج.. مؤكدةً دراستهُ والعمل بموجبه
وصاحب الكتاب يعاقب.. وتصدر المخابرات العراقية أمراً بعدم تعين هادي حسن عليوي بأي منصب خارج العراق.. ويجيك واحد ويقول الزمن الجميل