كان يضع رأسه في حجرها عندما تساءل: “هل قدماها النحيفتان تتحمل ثقل رأسي الكبير؟ وهل أن رأسي ثقيل بفِعل الخُوَذ التي كانت ترمي وزنها عليه؟” حكّ لحيته ثم رجع ليتساءل “هل جمجمتي هي من حملت الخوذة أم عقلي هو من فعل هذا؟”
قررت حفيدتهُ التي كان يضع رأسه في حجرها أن تجرّب العد للرقم مئة بعدما تعلمتهُ في المدرسة، كانت أصابعها الرقيقة والنحيفة تجول في شعر جدها وكأنها خرافٌ صغيرة تلهو وتلعب في حقلٍ ما.
سألتهُ:
– هل عمركَ خمس وثمانون يا جدي؟
– لا يا ابنتي.. عمري خمس وستون سنة
– لكنني عددتُ خمس وثمانون شعرةً بيضاء
– هنالكَ عشرُ شعراتٍ بيضاء.. كل شعرة هي جندي من أصدقائي..
أراد أن يقول لها أنه اضطر لحملهم عندما قرر الرصاص انهاء حياتهم لكنه لم يعرف كيف يصيغ الجملة فسكت.
– ولماذا هُم شعرٌ أبيض يا جدي؟ لِم لا يزوروك ان كانوا اصدقاءك؟
تحسّر الجد وشعر بعدم الارتياح، وقال:
– لأنهم أصبحوا ملائكة لديها أجنحة بيضاء في الجنة يا عزيزتي
رفعت الحفيدة يديها الصغيرتين لتحسب كم شعرة بيضاء بقيت لم يخبرها جدها عنها، وبعد دقائق قالت:
– بقي اثنتا عشر
– بل عشرة
رفعت يديها مرة أخرى صوب عينيها الناعمتين، وأعادت الحساب ثم قالت:
– لا يا جدي، اثنتا عشر
ابتسم الجد ولم يجادلها، قال:
نعم يا حبيبتي، اثنا عشر، اثنتين هي سنينٌ مُبعثرة، والباقي هي لجدّتكِ عندما انتقلت لتعيش في السماء.
– وعيناكَ؟ بيضاء أيضاً
لم يُجب الجد.. وبقي صامتًا. وبعد برهة أحس بأن حفيدته تنتظر جوابًا، فقرر تغيير الموضوع:
– هل حقًا هي مجرد خمس وثمانون شعرة بيضاء يا ابنتي؟ فكما تعرفين أنني فاقدٌ للنظر
– لا يا جدي، أن شعرك بأكمله أبيض، لكنني تعبتُ وتوقفتُ عن العدّ
لم تكتفِ الحفيدة بإيقاظ الجروح القديمة، بل قالت:
– هل يؤلمكَ الشعر الأبيض يا جدي؟
– نعم يا ابنتي.. يؤلمُني كثيرًا.