من المتعارف عليه ان الطعن في أي قرار حكم أما يكون أمام ذات المحكمة التي أصدرته أو أمام محكمة بدرجة اعلى، ومثال الطعن أمام ذات المحكمة التي أصدرت القرار (الاعتراض على الحكم الغيابي وإعادة المحاكمة واعتراض الغير) أما مثال الطعن أمام محكمة اعلى فيكون في (الاستئناف والتمييز والطعن لمصلحة القانون) لكن من خلال البحث وجدت ان محكمة التمييز قد سمحت بان تنظر وتفصل محكمة البداءة في طعنٍ مقدم ضد أصدرته محكمة التمييز ، وهذا ما في قرار حكم صدر عنها بالعدد 216/ هيئة عامة أولى/72 في 15/7/1973 وهذا القرار أشار اليه القاضي الدكتور لفته هامل العجيلي بكتابه الموسوم (في كتابه طرق الطعن في الأحكام المدنية في ضوء أراء الفقه وأحكام القضاءـ منشورات مكتبة السنهوري في بغداد ـ طبعة بيروت عام 2018 ـ ص324) ونشرته النشرة القضائية التي تصدر عن وزارة العدل العدد الثالث ، السنة الرابعة ، مطبعة المعارف بغداد عام 1975 ص223 وهو قرار يتيم لم يصدر مثله لاحقاً، ومضمون القرار أعلاه ان محكمة التمييز فصلت في طعن تمييزي قدم لها ضد قرار محكمة البداءة (كانت تسمى في حينه محكمة صلح)، وانها بعد ان قررت نقض قرار محكمة البداءة فصلت في الدعوى بصفتها محكمة موضوع على وفق أحكام المادة (214) من قانون المرافعات المدنية، ثم بعد فترة من الزمن تقدم احد الأشخاص بطعن اعتراض الغير ضد القرار أعلاه أمام محكمة البداءة، إلا ان المحكمة قررت رد الطعن واستندت إلى إنها لم تفصل في الحكم وان القرار الذي فصل في النزاع صادر عن محكمة التمييز وهي اعلى منها درجة وليس لها ان تنظر، إلا في الطعون ضد الأحكام التي أصدرتها هي وليس محكمة التمييز وعلى وفق ما ورد في المادة (225/2) من قانون المرافعات المدنية التي جاء فيها الاتي (يقدم الاعتراض الأصلي بدعوى ترفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ويوضح فيها السبب الذي من شانه تعديل الحكم المعترض عليه أو إبطاله) وتم الطعن بهذا القرار أمام محكمة التمييز فكان لمحكمة التمييز قول اخر، جاء فيه بان محكمة البداءة هي التي تنظر فيه وليس محكمة التمييز، حتى وان كانت هي التي أصدرته، واستندت في ذلك إلى ان محكمة التمييز عندما فصلت في الموضوع فإنها كانت قد فصلت في النزاع نيابة عن محكمة البداءة وانها تكون قد حلت محلها ويكون قرار محكمة التمييز بمثابة الحكم الصادر عن محكمة البداءة، ومن ثم يجوز الاعتراض عليه بطريق الطعن باعتراض الغير أمام محكمة البداءة، وجاء في أسباب اعتناقها هذا الرأي والاجتهاد بانها ان حرمت الشخص الذي تعدى إلى حقوقه قرارها فإنها تكون قد سلبته حقه في الاعتراض وسدت بوجهة طرق الطعن القانونية وهذا إخلال بمبادئ العدالة التي تقتضي في هذه الحالة سلوك طريق الاعتراض لدى المحكمة الأصلية والا وقعت محكمة التمييز في تناقض فقهي في قواعد المرافعات، لكن أرى ان هذا القرار فيه تقاطع صريح مع نصوص القانون حيث لا اجتهاد في مورد النص، لان المادة (225/2) مرافعات ورد فيها نص صريح بوجوب تقديم الطعن أمام المحكمة التي أصدرت الحكم ولا يجوز لغيرها ان تنظر فيه، ولم يرد في المادة (214) من قانون المرافعات أو في أي نص اخر ان محكمة البداءة أو غيرها تنظر في الطعن المقدم ضد قرار محكمة التمييز، لان هذا القرار هو الذي ينفذ بعنوان قرار محكمة التمييز وليس بعنوان قرار محكمة البداءة،.ومن خلال العرض أعلاه أرى ان قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل اصبح غير مواكب لبعض الأحوال التي ظهرت من خلال التطبيق وبحاجة إلى تعديل بما يغطي هذا الفراغ التشريعي من اجل توحيد الاجتهاد وقطع دابر التأويل، لان توجه محكمة التمييز أعلاه في عام 1972 لم نجد له تطبيق مماثل، كما ان أي شخص يروم الطعن باعتراض الغير على قرار أصدرته محكمة التمييز بموجب صلاحياتها في المادة (214) مرافعات فهل تقبل محكمة البداءة النظر فيه وهل تقبل محكمة التمييز ان تتنازل عن علوها وسموها إلى محكمة بدرجة ادنى؟.
{ قاضٍ متقاعد