وقفت متسمرةً في مكاني أشعرُ برعشةٍ تسري في بدني وأنا أقلبُ الخاتمْ بتأنٍ وكأنهُ جزءُ مني بينما تعيدُ ذاكرتي أدقَ التفاصيلِ كشريطٍ سينمائيٍ مهترئٍ كانَ عمري ثمانيَ سنينَ حينما رأيتُ هذا الخاتمْ سألتْ أمي هلْ ممكن أنْ أشتريه نعم بنيتي لكِ ذلكَ . . . وأكملتْ بأبتسامتها الجميلة ولمنْ سيكونُ قلتْ خجله . . . لأبي في طريقِ العودةِ ضغطتْ بكلِ قوتيْ على الخاتمْ وأنا أطيرُ بجناحي السعادة ، أحسستُ بيدِ أمي على كتفي _ كبرتِ يا صغيرتي ،ابتسمتْ محاولة تغيير الموضوع لكنها استمرتْ : على أيِ أساسٍ اخترتي هذهِ الهديةِ
– لا أعرفُ أشعرُ أنها تليقُ بأبي – لكنْ لماذا الخاتمْ فضي والفصِ أسود
صمت…..
أدهشني السؤال رغمَ واقعيتهِ لا بد أنَ الكبار يهتمونَ كثيرا بالألوانِ هذا ما استنتجتهُ حينما أعطيتْ الخاتمْ لأبي ورأيتُ في ملامحهِ ألوانا لمْ أدركْ ماهي
حينها عانقني وودعتهُ قبلَ نومي – أبي متى ستعود هذا ماسالتهْ وأنا أودع أبي قبلَ ذهابهِ للعملِ ابتسمَ لي قائلاً – مبكرا اليومَ حبيبتي هلْ تريدين شيء؟
قلتْ – نعمَ أنْ تعودَ بالسلامة – وقطعةَ شوكولاتةٍ
لا بأسْ ابتسمَ وغادرَ ولمْ يعدْ وهذا ما ورثتهُ نفسُ الخاتمْ هذا ما تبقى منْ أبي الذي لااعرفْ كيفَ أوقعتهُ الاقدار بيدِ الجلادِ و دُفنَ حيً في مقبرةٍ جماعيةٍ ، الآن أصبحَ لأبي قبرٍ يُزار يا الله أبهذهِ السهولةِ تضيعُ أحلامي وتنهارُ حياتي بأجمعها ، كنت أسيرَ لااعرفْ وجهتي في صحراءَ منْ الصمتِ وغابةٍ منْ القلقِ تزدادُ وطأةَ الصمتِ على قلبيٍ كلما تذكرت يدهُ وهيَ تحيطُ بفراشي و وجهُ يطلُ متفحصًا ملامحي ومستشعراً أنفاسي آهٍ أبيّ ليتني واسيتكُ واستشعرتُ أنفاسكَ او مسحتْ جراحكَ الجم الحزنُ لساني وجعل دموعي تتجمدُ في مآقيها وأنزلَ على ذاكرتي ستار منْ النسيانِ ما زلتْ أسير وحدي وقوة ما تدفعني إلى حيثُ قبركَ أقفُ جامدةٌ كالصخرِ والمكانِ يبعثُ على الرهبةِ والخوفِ والسماءِ موحشةٌ بغيومِ بيضاءٍ وأشعةِ الشمسِ تحاولُ أنْ تسرقَ نافذةٌ تطلُ منها على الكونِ وبجانبي تناثرتْ القبورُ هنا مدينةَ الأمواتِ وهناكَ دنيا الأحياءِ وانا ميتةً خذني معكَ فقدْ متُ يومُ رحيلكَ . . . ما زالَ الخاتمْ بيدي أترقبهُ لأضعهُ على القبرِ بينما سحبُ النسيانِ تنقشعُ عنْ ذاكرتي رويدا رويدا وانتقلتْ بي الذاكرة القاسية إلى ذلكَ اليومِ الذي مرضتْ فيهِ وكانَ هوَ يخطو خطواتِ قلقٍ منتظمةٍ ولسانهِ يلهجُ بشتى الأدعيةِ ثمَ يتعبُ ويقاومُ التعبُ ويجلسُ قربَ فراشي يتمتمُ بصوتٍ مخنوقٍ بالبكاءِ إلهيٍ كنتُ أريدها لتعيشَ وتطبقَ بيدها عينايَ بعدَ وفاتي لا تحرمني منها …. يالقسوة الذاكرة فهيَ تدمي عيني وتعيدني حيثُ الحزنُ ، ، جلستْ أكلمُ القبرُ وأحثُ الترابَ مناديةً ألا تدريَ أني كنتُ استيقظَ على صوتِ ضحكتكَ كلَ يومِ ألا تعلمَ أنَ ابتسامتكَ هيَ شروق شمسي وانْ هدوء ليلي هوَ صوتكَ وأنتَ تحكي لي قصصُ الأميرةِ والسلطان ، ، لا لا لنْ أغادرَ قبركَ سأضلْ هنا أبللُ بدموعي صفحةَ قبركَ الشاحبِ وأكلمُ ترابهُ علك تجبني يوماً.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *