العزّل هم فئة من المجتمع تبزغ عندما تغزو الرثاثة كل مفاصل الحياة على نحوٍ يدعو للأسى، ويبعث على الصراخ الذي يوقظ الموتى من أبدية السكوت، نراهم عندما يغرق الوجود في لجة عتمة تشبه العدم، لاتسمع فيها سوى العويل وحداد أبدي ، ينبثقون على شكل آهات من فم الجروح البليغة، يعملون وكأنهم رجال الإطفاء يخمدون النيران المنبعثة من هذه القيامة الأرضية، تمارس الجموع ضدهم أبشع صيغ التوحش المتمثلة بالنظام السائد وصرامته والسستم وعنفه، جلّ هم هذه الفئة أي العزل إعادة الإعتبار للحياة الأكثر سمواً بعيداً عن إرادة الجموع وجحيمهم ، تجدهم أكثر المحرضين على إثارة الاسئلة لعلها تساهم في تحطيم جدران اليقين لبلوغ الشك، أس التردي والافلاس لدى العزل الجمود والركود الذهني المتمثل بالانسان المتأله والانسان المتعلمن، فهم عشاق لرؤى التحول والأفق التنويرية المغايرة رغم عناد اللجج ومحن البلايا.
(الاعزل) فرد لايتخلى عن ذاته الفردية، ولا يمكن لأي قوة ان ترغمه على تذويب ذاته في أي قوة اخرى مهما بلغ شأنها، اختار السير في دروب التيه والضياع، يترنح بين شاطئً عليل وبحر يتأبط المجهول، يسطو عليه الليل المسلح بالكوابيس بلاهوادة، حتى ترهق أكفه من هذا الإشتباك، تكفكف روحه أدمعها بندى الصباح الحائر الذي يتلوى كما الثعبان وهي تنتزع ثوبها القديم، خطى الاعزل تسابق الزمن في مدن الحيرة وشوارع التنهد، هرباً من السقوط في وحل الغايات والحاجات الآنية، والنزعة الميكانيكية التي تنهش عمقه الإنساني، لم يبقَ لدى الأعزل سوى الحلم، حلم ان يتهجى الحياة دون ان يشقى، ان يحبط مؤامرة الذكريات التي هي كالتراث المزروع بين جنبات قلبه، ان لايحتفظ في جيب قلبه المثقوب بكائنات يتطاير الشر من أعينها، حتى تلك التي كان يسبح برائحتها ويذوب في بصمات ذوقها، يبقى الاعزل محط سخرية بكل الطرقات، لكنه مبتهجاً يدفعه شعور بالغبطة لمواصلة السير بحثاً عن سماء ملأى بالأقمار في مدن الصحو التي تخلو من الأوصياء والدعاة والصفوة والنخبة، يمسك الاعزل الصخور بيدين معقوفتين، شاداً قبضتيه كأنه يعتصر الأرض، غير ملتفتاً لقانون الجاذبية وفقدان توازنه، حلمه ان يحيا ظله بسعادة اللاوصول! تنفد طاقة الاعزل بالوصول ويضيع أناهُ، في حساباته كلمة ‘الوصول’ تعني الموت،العجز، الخواء،التحنيط،العدم، المآسي، الكوارث، المفاسد، هكذا هو يتعامل ويقاوم ناب الواقع، يسير بخطوات أرملة، يدور حول فقراء الأرض، يرسم حول مضاجعهم طيراً وغزالاً من ورق، يستحلب من اللايقين مايبقيه على قيد الإعتبار، ليؤثث بيت الحقيقةِ بهاجس الشكِ، هكذا يواصل رهانه، على الرغم من احزانه التي وصلت الى سن البلوغ، وروحه المعطوبة التي تهشمت كريستالتها وفقدت بريقها وهي ترتطم بصخور الواقع ، لكنه يتوهج من جديد ويشعر بمصل عنفوان يسري في جسده، كلما يرى الجموع وهي تعيش بلا دوافع حقيقة، ومنشغلة بالانضمام الى ترسانة القطيع الاجتماعي ومسافات الفراغ اليافعة، لم يكترث الاعزل يوماً وهو يصلب على اعمدة التأويل، تلك التي وضعته في خانة المرتد عن ” أطيانهم أديانهم “
يحلق الاعزل مع رحيق تأملاته التي تنزف تحرراً وتمرداً وعبثاً، باحثاً عن ضمادات لجروحنا البليغة، ونصوصاً تبتكر البرق لتبطش بالعتمة وترمم اللوعة والاشجان القصية، رغم ايمانه بان الحياة افلام برسم المأساة دائماً ليس كمثلها افلام، إلا إن انتزاع الحقيقة من جوف الزيف والخديعة يبقى مرماه الاخير وفردوسه الأبهى، هكذا لوح الاعزل بأمنياته للعالم،
حتى اسدل العالم لاجدواه على نفسه وغاب.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *