لابد لنا من التفكير بعقلية العربيِّ المتحضر .. ذلك الذي نظر إلى الكون بنظرة واعية تسامت على الموجودات الأرضية لتحلّق في ملكوت السماوات.. وهو يتساءل بألف باء وعيه الصحيح :
البعرة تدل على البعير و الأثر يدلُّ على المسير ؛ أفليل داج و سماء ذات أبراج لا تدلّان على السَّميع البصير!؟..
بهكذا عقل واعٍ عرف الإنسانُ رَبَّهُ .. بعدما نبّه الرُّسُلُ و الأنبياء ، فكأنَّ ذلك البدويَّ كان يفكّرُ كثيراً .. يتأمّلُ في الوجود طويلا .. حتى استضاء فؤادُهُ بنور الله سبحانه و تعالى .. دونما أنْ يكونَ نبيّاً و لا رسولا !!!..
وليس هو فقط .. بل الناس كافّة .. منذ بدء الخليقة.. حتى أولئك الناس الذين لم يُبعَثْ فيهم نبيٌّ و لا رسول .. تراهم كانوا يعبدون إلها.. إلهاً إبتكرهُ تفكيرُهم الذي لا يعقل أنْ يكتفيَ بالجحود .. لأنَّ الجحودَ لا معقول .. لا معقول أنْ يقتنعَ المدركُ الإيمان بما لا يُدرَك .. فليس من الوعي أنْ لا تكونَ قوّة عاقلة حكيمة متحكِّمة في هذا الكون والوجود .. تتحكّم في خلق المخلوقات و الكواكب و المجرات بهذا العجب العجيب الذي أذهل العقل البشري منذ آلاف السنين .. حتى لم يجد من قلقه و شكّه بدّاً إلّا الإذعان و التسليم لإلهٍ ما .. لابد أنْ يحقِّقَ ارتياحاً لتساؤلِهِ الطويل بالتسليم لإله.. تارةً هو يبتكرُهُ لنفسِهِ و تارةً يبتكرُهُ غيرُهُ له .. وفي الحالتين هو يؤمن بإله !..
أقول .. هل هذه الطبيعة الإدراكية للعقل البشري على خطأ.. أم هي على صواب .. لو كانت على خطأ لاكتشفت خطأها ذات يوم و تخلّت عن هكذا تفكير يؤزِّمُ فيها التفكير ، وإذا كانت ترى نفسها على صواب .. فهي تستمر على التعاطي بهذا التفكير باستمرار ..
التفكير الذي يجعلها تقبل بوجود إله .. أهو إلهٌ غيبيٌّ لا تدركُهُ الأبصار .. أهو إلهٌ هي ابتكرتهُ من خيالها لكي تخدع نفسها به كي ترتاح من تساؤلاتها المريرة.. أهي تتقمّصُ إلهاً غيبيّاً يحتويهِ صنمٌ أو وثنٌ أو شمسٌ أو قمرٌ أو شجرٌ أو ريحٌ أو ماءٌ أو نارٌ أو سماءٌ أو إمراةٌ أو عجلٌ أو ثورٌ أو ﷲ .. المهم إنَّ البشرية عبر تاريخ الخليقة .. منذ الإنسان الأول جاوة أو نايتردال أو آدم كان ومازال يفكّر في إلهٍ يحكم هذا الكون والوجود!!..
و الحقيقةُ هذه ؛ فلابد لنا نحن البشر .. ونحن نلج حداثة الوعي و حضارة القرن الواحد وعشرين أن نسلّم لإله يحكم الوجود .. إلهٍ خلق الكون و الإنسان ..
قوّة عاقلة خبيرة بصيرة سرمدية أزلية ليس لها بداية وليس لها نهاية .. لأنَّ البدايات و النهايات للمخلوقات و المخلوقين .. ولا يقبل العقل المدرك أن يكون غير هذا الفهم .. مهما كان شكل الإله و نوعه!..
ثم ؛ إننا إما أنْ نكذِّبَ الرُّسُلَ و الأنبياءَ أو نصدِّقَهم .. إما أنْ نعتقد بالدِّيانات الدنيوية أو لا نصدِّق ، ولا أظنُّ أنْ يكونَ تفسيرُ تمسّكِ المجموعات البشرية بدياناتهم الخرافية التي تتجسّد بالماديات الملموسة تفسيراً معقولاً .. ولا تفسيرَ لهكذا تمسّك غير احترام ذات و خصوصية هكذا أمّة لنفسها حسب.. كيما تبقى وتستمر كأمّة بين أمم العالم !..
من هنا ؛ فإنَّ إيمانَ الإنسانِ بما جاء به الأنبياءُ و الرُّسُلُ يكونُ أقربَ للوعي المدرك .. من خلال الإيمان بالمحسوس دون الملموس!!!..
و أنَّ الإيمانَ بإله خبير بصير قادر قاهر أزليٍّ سرمديٍّ لم يُخلَقْ ولم يلد ولم يولد .. فردٍ صمدٍ أحدٍ ؛ يكون أدعى للقناعة دون القناعات الأخرى .. والتي هي قناعات هشّة ضحلة بائسة .. لا ترقى إلى المعقول ، ولا تحقق وعيا !!!..
و أخيراً ؛ فلابدَّ لمن آمن بالله سبحانه وتعالى أن يحمده على هذه الراحة الإدراكية التي حلّت عقدة الشَّكِّ المعتمَ بومضة الهدى..
والحمدلله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين؛؛؛