طوال سنين والطرق الخارجية تعاني من الاهمال بوجود مطبات طبيعية حفر وتموجات في الشوارع جعلت طريق السلامة غير آمن ، كنا خمسة معلمين في مدرسة واحدة ، اعتدنا كل خميس نذهب للزيارات الدينية ، مرة لسامراء وأخرى لكربلاء والنجف وبعض المقامات الدينية التي اعتدنا على زياراتها ، كان سائقنا الشاب حديث التعيين في مدرستنا ويمتلك سيارة سريعة
الجارجر ، دائما نتحدث معه عن السير بسرعة معتدلة فإذا حاول زيادة السرعة قليلا صحنا به جميعا مهلا لا تلعب معنا ، أبق على سرعة 120 كيلو في الساعة فقط اياك أن تحاول زيادة السرعة ، كلنا متزوجين ولدينا عوائل فقط السائق لم يك متزوجا بعد ، أن كثرة الحوادث التي
نسمع بها عبر الأخبار جعلتنا نفكر حتى بخفض سرعة 120 التي اتفقنا بها مع السائق ، لا نريد أن نفجع عوائلنا بمصاب لا علاج له سوى الندم وحيث لا ينفع الندم ، بقينا نسير في الطريق في كل زيارة نذهب اليها كأقصى معدل هو 120 وغالبا نطلب من السائق التريث والتأني في السياقة وعدم زيادة معدل السرعة ، اذ غالبا ما نرغمه على السير بمعدل 100
فقط ، الطريق كان جميلا جدا حيث تنفتح الحوارات في مختلف المجالات باعتبارنا شريحة
تربوية كنا نتحدث في كل شيء ، علوم سياسة دين أدب تراث تاريخ جعرافية اجتماع وكنا
نتمنى لو يكون الطريق عشرة ايام لشدة تشوقنا للحوارات اثناء السفر ، لقد نجونا من عدة حوادث كادت تؤدي بحياتنا بسبب تعجرف سواق الطرق الخارجية ، فهذا سكران وذاك يتابع موبايله وآخر ينعس في الطريق وغيرها من الحوادث التي كفانا الله شرها ، وكنا نحمد الله اننا متفقون على سرعة تسمح لنا بتجنب الحوادث مع ما كنا عليه من مراقبة الطريق حتى ونحن في قمة انشغالنا بالحوارات فيما بيننا .
فتحت عيني بالكاد وشعرت بألم في كل جسمي ، كان ضوء ما يحيط بالمكان تداركته سريعا انه ضوء غرفة تراءى لي بعدها مظاهر المستشفى ، فنظرت الى نفسي ممدا على سرير ومجموعة من الأنابيب البلاستيكية في فمي وأنفي وواحدة كبيرة جنب أضلعي من الجهة اليسرى ، ومجموعة من الاسلاك الطبية ملصقة على رأسي وصدري وحولي أجهزة التنفس الاصطناعي وجهاز تخطيط القلب وتنظيمه ، وحولي الستائر لا أرى أحد من الناس ، لاحظت بعدها شيء ما في سبابتي فضغط عليه كثيرا سمعت على أثرها طنّات طبية وما هي الا لحظات وجاءت الممرضة الي تسألني عن حالي وشعوري وتطمأنني بأنني بخير ، سألتها ما الأمر لماذا أنا هنا ، فأخبرتني بأننا تعرضنا لحادث سير مروع ، فسألتها عن زملائي قالت هم بخير في الغرف الأخرى وحالتهم مطمئنة ، ثم سألتها أن ما كان أحد من أفراد عائلتي هنا أريد رؤيته ، فوعدتني بأن ذلك سيكون قريبا ، وأنها ستستدعي الطبيب لمعاينتي وهو من يقرر قبول الزيارة ، بعد دقائق جاء الطبيب وبدأ يتابع الأجهزة وسألني بعض الأسئلة عن ما يوجعني أو أعاني منه ، وأخبرني بأن أقل من الكلام وأنه سيعطيني منوما ارتاح فيه لبعض الوقت لأنني ما زلت اعاني من أثر الصدمة ، وبعدها سيسمح لزوجتي المتواجدة قربي خارج الردهة بزيارتي حاولت بشتى الطرق والوسائل أن استحضر ما حدث لنا دون جدوى ، كيف وقع لنا الحادث لماذا لا أتذكر أي شيء البتة ، وفي خضم هذه الأفكار أخذتني الغفوة في نوم عميق .
_ لماذا تكررون هذا السؤال ككل مرة وأنتم تعرفون بأنه سؤال عقيم ، لكن دعوني أخبركم شيئا ما من المهم أن تعرفوه وهو ما قرأته في الكتب الفلسفية وعلم النفس والباراسيكولوجيا وأبحاث ودراسات عديدة اطلعت عليها خلال مسيرة برنامج القراءة الذي اعتدت عليه ، أن التزامنية فيما يتعلق بتحكم الله ومسألة القدر ، وكما يقول كارل غوستاف يونغ بأنه “صدفة ذات مغزى” أو أنها “صدف متعددة تحمل في طياتها عدد كبير من المعاني ذات مغزى” إذ أن الأقدار بعضها سيء جدا ، فهل يفعل الله شيئا سيئا جدا للناس ؟ وهنا مفترق الطريق ، بين ما يفعله الله وبين ما تفعله الأقدار ، فإذا جزمنا بأن الأقدار ليست من صنع الله خرجت من قدرته وبالتالي يصير عندنا مسألة معقدة تتعلق بسلطة الأقدر واستقلالها عن الله وهذا على نحو ما شرك ، لأنها ستكون قدرة أخرى تحاكي قدرة الخالق المسيطر ، وإذا جزمنا بأنها من صنع الله فهذا ظلم من الله على الناس ، وبالتالي لابد من منطق معقول يفسر هذه الظاهرة ، عليكم أن تدركوا العلاقة بين الله وأقداره .
_أستاذ مالك ، كلامك صحيح لكنك لم تفسر هذه الحالة للآن ، أنا أريد أن أعرف الآن ، علاقة القدر مع الله ، أعطني تفسيرا معقولا وليس مبهما ، الآن ما هي العلاقة بينهما ، هل القدر من صنع الله ، أم أنه من خيارات الحياة ؟
_ نعم أنا مع سؤال أستاذ ناصر ، أضيف سؤالي لسؤاله .
_ وأنا مع هذا السؤال أيضا .
_ هيا أجبنا يا أستاذ مالك .
_ حسنا ، على مهلكم ، ما سأقوله انا لا يعكس ما جاءت به الفلسفة والرؤية الدينية أو العقيدة ، ما سأقوله هو اعتقادي الشخصي بحسب وجهة نظري الخاصة ، أن القدر أو الصدفة يشبه الى حد ما روح في الحياة وهو يتحكم ببعض الأمور ، لا أظن ان القدر هو ما يفعله الله بالناس ، بل أن هذا الروح يظهر من نشأة الطبيعة ، شأنه شأن الليل الذي يبدو كأنه مخلوق ، كذا النهار ، كذا البحر كذا الغابات كذا الوديان والجبال العظيمة ، نشعر بأنها مخلوق حي ، كذلك القدر ، هو روح عشوائية فوضوية لا تتعامل بالعدالة والانصاف ، أي أن القدر لا يختار بعناية ، وربما غالب اختياراته عشوائية ، هذا ما أعتقده و…
_انتبه عصام أمامك سيارة وجها لوجه يا الهي لا لـ………….
فتحت عيني ما زلت في المستشفى ، شعرت بيد تمسكي يدي التفت صوبها كانت زوجتي تمسك بيدي وهي حزينة وما زال أثر الدموع على خديها ، نظرت إلي بابتسامة ووضعت يدها الأخرى على جبهتي وقالت لي حمد لله على سلامتك يا مالك يا قرة عيني ، هل أنت بخير ، لقد نمت من ليلتين ، كيف حالك الآن ، عندها بدأت أشعر ببعض الراحة وبدأت استعيد وعي شيئا فشيئا ، وتحدثنا أنا وزوجتي عن الأطفال واهلي واخبرتني بأن الجميع هنا كلهم ينتظرون خرج الردهة ، بعد بقليل جاء رجال الشرطة يسالونني عن مجريات الحادث ، فاخبرتهم بما رأيت وما حصل معي ، بأن سيارة ما في الطريق واجهتنا بالرون سايد وجها لوجه ، ولا أتذكر باقي التفاصيل ، فقال لي الضابط وهو ممسكن بأوراق بيده ،ليس الأمر كما ذكرت يا مالك ، الحادث أن سيارتكم تعرضت للاصدام مع سيارة من الخلف وليس من الوجه ، كان هنالك عاصفة ترابية ، ومجموعة من السيارات متوقفة بسبب حادث وجاءت سيارة سريعة جدا لم تنتبه لما أمامها من السيارات الواقفة بسبب الحادث واصتدمت بسيارتكم فدفعتها الى السيارة التي أمامكم ونتيجة السرعة المفرطة تحطمت سيارتكم من خلال سيارتين من الأمام ومن الخلف ، وأنت الناجي الوحيد ، كل زملائك قضوا نحبهم في هذا الحادث المروع ، وعليك أن تتذكر جيدا ما حصل كي أدونه في محضر الحادث .
_ ناصر .. وعصام .. وأحمد وكريم قضوا جميعهم … يا الهي كيف ذلك ، لقد قالوا لي بأن الجميع بخير ، يا الهي ، رباه أي مصيبة هذه ، هل كان حلما ما تراءى لي عن الحادث .
حاول مالك أن ينهض من فراشه ليجلس فاكتشف أن جسده عبارة عن يد واحدة فقط ، قدمان مبتورتان ويد مبتورة ولم يبق له من أطرافه الاربعة سوى يده اليمنى فقط .
شكرا لموقعكم الالكتروني على نشر قصصي القصيرة أنا ممتن لكم