كانت ليلة طويلة جدا و شاقة جدا تضج بكوابيس مرعبة و خانقة ، ليلة دهماء كأنما فقدت نهايتها المعتادة إلى الابد ، بدون أي أمل في بزوغ فجر آخر و جديد ، ولكن مع ذلك ها هو الصباح قادما وهو يحل بهيئته الرمادية و الكئيبة ، نهض من فراشه وذهب نحو الحمام ليغتسل ، و كان في اثناء ذلك جهّز قهوة التي أخذت نكتها العبقة تملأ أجواء الغرفة ، ثم ارتدى اكثر ثيابه أناقة و تعّطر جيدا كأنه ذاهب لحضور احتفال مهيب ومهم ، بعناية و اهتمام ، حتى وجدا ضرورة لتعديل و ترتيب بعض من خصلات شعره لتكون أناقته مرضية و كاملة ، ثم فجأة سحب مسدسا من أحد الأدراج و صوبه نحو صدغه ، غامضا عينيه ، كانت ” هي” تراقبه عن كثب مثلما يراقب الأم طفلها وهو يلعب ساهيا ، .. و أطلق الرصاص متوقعا وهجا حارقا و ألما لاسعا في قعر رأسه .. مرت ثوان دون حدوث أي شيء غير عادي : فلا دوي صوت ولا تدفق دماء ولا أي شيء آخر أو استثنائي ملفت..وكم كان استغرابه و دهشته وذهوله كبيرا عندما فتح عينيه ، ملاحظا أنه لم يخرج من فوهة المسدس غير فقاعات ملونة على شكل فراشات متموجة أخذت تطير حائمة حواليه بتظاهرة لونية زاهية و مدهشة مع غمامة من عبق عطور فواحة ..
فسرعان ما أدرك أنها قد استبدلت المسدس الأصلي بشبيه من لعب أطفال ..
فتمتم مع نفسه بشيء من سخط وامتعاض ، ممزوجة بابتسامة شاحبة :
– ها هي تتآمر علي مرة أخرى لتمنعني من حق الاختيار و الرحيل الأبدي بكامل أناقتي و رغبتي الكبيرة ! ..
غير أن المفاجأة الأكبر التي أدهشته فعلا هي أن زوجته هي أيضا كانت بكامل أناقتها و زينتها وهي تضع حقائب السفر عند عتبة الباب وفي يديها جوازات السفر مع تذاكر الحجز أيضا لتقول له في النهاية مبتسمة مشحعة:
ــ هيا بنا حبيبي لكي لا نتأخر عن الطائرة فقد أخذ الوقت يداهمنا سريعا !..