ذات يوم سألتها : كيف تركت أهلك وهربت منهم ، قالت لي : في القصة قصة داخلها ، وأخرى وأخرى كلها تتفقس من قصة داخل أخرى ، كان أبي حسبما روته لي أمي رجل حقير جدا مليء بالكراهية والحقد ، سبب الكثير من المشاكل لأهله ، هو مرض نفسي يعاني منه ولم يك الأهالي ذلك الوقت يعرفون بقضايا الطب النفسي وعلاجاته بل حتى
لو وجد فهم يستسخفونه ويعتبرونه اهانة أن تستشير طبيبا نفسانيا ، ستشعر أنك مجنون معتوه
رسميا ، فأراد أهله أن تهدأ ثائرته فزوجوه لأمي ، كان الزواج حينها بحسب قرار الأب ولأنه ابن عمي ارغموني على الزواج منه لعله يهتدي ويصير انسانا سويا ، كنت وقتها أحب شابا
من القرية ، وكنا أجمل حبيبين ، نلتقي في المراعي عندما أخرج أرعى أغنام أهلي كان يتسلل من بين المروج والمبازل ونختبئ في أحدى الحفر نجلس سوية نبوح لبعضنا بلواعجنا وهيامنا
ولأنه من عشيرة أخرى ، لم يقبل أهلي طلبه لخطبتي عشرات المرات ، كان لديه حلم جميل جدا ، أن نتزوج ونهرب من هذه القرية البائسة ونعيش في بغداد ، كثيرا ما كان يحدثني عن زياراته لبغداد وكيف هي الحياة فيها ، كان مولع ببغداد كل حلمه أن يصير مدنيا متحضرا
ويدرس ويكمل دراسته ، كما وعدني بأنه سيعلمني القراءة والكتابة ونعيش زوجان متحضران
ولما يأس من موافقة أهلي عن زواجه مني ، أتفقنا أن نهرب أنا وهو سوية ونعيش في بغداد
مهما كان ما سنلاقيه في بغداد من صعوبات العيش فأننا اتفقنا على أن نتدبر أمرنا بكل الأحوال
الى حين أن نجد مستقرنا ، كانت نجمة أقرب أخت لي من بين أخواتي وهي حاملة أسراري وتعلم بكل شيء عني وعن علاقتي بـ جاسم المرياني وهو من السلف المقابل لسلفنا
جهة النهر ، لا أعرف كيف ولماذا غدرت بي نجمة وأخبرت أمي بما خططنا له ، لم يك بيننا
أنا وجاسم الا يوم واحد فقط للهروب من القرية ، حتى جاء أبي وربطني بسلسلة وقفل في أحد أعمدة البيت الحديدية ، وانهال علي بالضرب المبرح بلا رحمة حتى طفح جلدي من الورم ، ولما رأيت خالتك نجمة عن سبب فضحها لسري قالت لي ستدمرين مستقبل اخواتك الاخريات كلهن وتنزلين رأس أبي وأخوتي ، ما ستفعلينه عار ليس بعده عار ، بعدها بشهر تقريبا زوجوني لهذا الحاقد المريض ابن عمي سترا لهم ، وأخبروه بأني جاريته له أن يفعل بي ما يشاء ، حتى لو قتلني بأي ذريعة كانت ، أما جاسم فقد هرب لبغداد وأختفى خبره منذ ذلك اليوم ، هذا ما أخبرتني به أمي قبل أن تهرب بليلة واحدة من بيت أبي ، هربت ولم يعلم أحد عنها شيئا أبدا ، لقد تركتني أنا وأختي سعدة وحدنا مع هذا الأب الجحيم ، أب لا يعرف ما يريد ولا
يفهم نفسه ، أبدا ، يتحدث طوال الوقت مع نفسه ، ويا ويلها التي ترفض له أمرا أو تحاوره
في شيء ما ، كل ما علينا فعله هو اطاعته فحسب ، لقد اتفقنا أنا وسعدة أن نجد وسيلة ما نهرب بها سوية من هذه القرية ونذهب الى بغداد وهناك نجد لنا مكانا ما ، وأن كنا لا نعرف شيئا عن بغداد ولكننا قررنا أن نذهب اليها وليحدث ما يحدث هناك ، فقد بلغت من العمر 19 عام وسعدة تصغرني بسنة واحدة ، وهذا الأب المريض كلما نكبر كلما يزداد جحيما فوق جحيمه ، كما أنه يعاقبنا على فعلت أمنا ، لقد جاء ذات يوم الى القرية شاب يبحث عن أرض يشتريها للزراعة كما يزعم ، وكان لدى أبي قطعة أرض زراعية يؤجرها للفلاحين ويأخذ منهم ربع الماء وربع الأرض وهو قليل المعرفة بهذه الأمور لكن أخيه الأصغر يساعده في تنظيم هذه الأمور بسبب حالته ، وهكذا كنا نعيش طوال الوقت برعاية عمنا الذي يتكفل بقضايا المعيشة ، وأبي قد تركه يتولا ذلك نيابة عنه ، عندما جاء ذلك الشاب الى بيتنا وجلس مع أبي وعمي للاستفسار عن بيع الأرض ، كان يتحين الفرصة ليرى من في المنزل ، وقد لاحظت ذلك عليه ، عيناه زائغتان يتخطف النظر من الأبواب وأخبرت سعدة بأن هذا الشاب غريب الأطوار وأمره مريب ، وصرنا نبحث عن طريقة ما للقائه والاتفاق معه على الهروب ، وبينما نحن في ذلكم الليل العتيم ، دخل علينا هذا الشاب من كوة الغرفة وطلب منا الصمت فاستجبنا له ببساطة ننتظر منه ما سيقوله ، فأخبرنا بأنه مرسل من والدتنا من أجل أن يهرب بنا ويجمعنا بوالدتنا التي اتفقت معه على ذلك ، لقد سررنا بهذا الخبر
وخصوصا فيما يتعلق بوالدتنا التي حرمنا منها ، فرتب معنا على موعد للهروب في الليل عبر
بلم سيجيء في الفجر ينقلنا للجهة الثانية من القرية وهناك سنمضي سيرا طويلا حتى نصل الى مكان نستطيع فيه ركوب السيارة للوصول الى الولاية ومن هناك نسافر الى بغداد ، لقد سار كل شيء كما خطط له بدون توقف كانت ليلة مرعبة ومخيفة جدا ، وصلنا الولاية ومن هناك سافرنا الى بغداد ، وفي بغداد أدخلنا الشاب الى بيت مليء بالنساء ، وتحدثنا مع فتاة تسألنا عن أحوالنا وتطمننا ،فأخذت بنا وأدخلتنا غرفة فيها سرير مزدوج وطلبت منا ان نرتاح وننام من مشقة السفر وفي الصباح رباح .
كنا نتلهف لرؤية أمنا ، رغم ذلك فأننا نما نوما عميقا كنوم أهل الكهف ، وفي الصباح أول ما فعلناه حين استيقظنا سألنا تلك الفتاة عن أمنا ، فطلبت منا التريث لحين وصول الحجي ، لوهلة ظننا أن الحجي زوج أمنا وأن هذا البيت لأحد أقاربه ، جيء بنا اليه بسبب وضعنا كهاربات من أهلهن ، وبعد أن أفطرنا وجلسنا ننتظر مجيء الحجي الذي تأخر في مجيئه
جاء الشاب الينا وأخذنا بسيارة وقال سنذهب لرؤية الحجي وهناك سنعرف كل شيء ،
ما هي الا دقائق حتى وقفت السيارة أمام بيت جميل يبدو من البيوت الفاخرة ، ونزلنا من السيارة ودخلنا البيت ، وهناك التقينا بالحجي الذي بدأ ينظر الينا نظرة فاحصة دقيقة ثم حيانا
وطلب منا الجلوس ، ثم جاءت امرأة تحمل الشاي وقدمته لنا وغادرت وهنا تحدث الحجي معنا وقال : ما سأخبركم به هو ما طلب مني أن أفعله من ارسال هذا الشاب وقدومكما الى بغداد كل شيء سار برغبة من والدتكما ، أنا كنت اعيش في قريتكم ، وكنت على علاقة كبيرة بأمكما
وطلبت يدها للزواج عدة مرات ورفضني أهلها ، حتى اتفقنا على الهروب الى بغداد لنعيش فيها
وكانت هذه أمنيتنا الوحيدة في هذا العالم ، لكن هنالك من فضح سر أمكما وزوجوها لأبيكم وأنا هربت الى بغداد خوفا من الطلب العشائري ، عملت في بغداد عشرات الأعمال وتعرضت لأسوأ الظروف نمت في الشارع وبيقت شهور أستجدي الناس وآكل من الفضلات في النفايات
لم يك هنا من مستقبل لرجل مثلي جاء من الريف ، لكنني تعلمت حياة الناس هنا وعرفتها فلم
أجد طريقا سوى الانخراط في الأعمال السيئة ، لذلك عدت بعد فترة ثلاث سنوات للقرية المجاورة لقريتكم متنكرا أسأل عن ما جرى لأمكم ، وتعرفان أن الأخبار في القرى متداولة
وسهل الحصول عليها ، حتى فهمت ما جرى لها فتحينت الفرصة والتقيت مرة أخرى بأمكم
وأخذتها من فور لقائي بها وهربت بها الى بغداد ، وقد انظمت أمك معي في الأعمال السيئة
بصراحة نحن نعمل في الدعارة والبغاء ، وهي تكسبنا أموالا جيدة نعيش من خلالها حياة رائعة جدا ، تزوجنا أنا وأمكما وهذه الفتاة التي استقبلتكما هي أختكما ، أمكما للأسف مرضت مرضا
خبيثا وتوفاها الله ، وطلبت مني بوصية منها أن أنقذكما من الجحيم الذي تعيشانه في بيت أبيكما وقد وعدتها بذلك ووفيت بوعدي لها ، والآن أمامكما سبيلان لا ثالث لهما ، أما تعيشان حياة عادية كما يعيش الناس هنا وأنا سأتكفل بكل شيء يتعلق بمعيشتكما ، أو تنظمان الى مهنتنا
في الدعارة ، سأترككما تفكران بهذا الأمر على مهل ، فإذا توصلتم الى قرار فاخبراني به .
طيب ولماذا اخترت أنت وأختك سعدة الانخراط في مهنة الدعارة ؟
حقيقة لو عشنا حياة عادية من سيتزوجنا ونحن بلا أب ولا أم ؟ وكيف سنعمل وماذا لو عرف الناس قصتنا ، وأنت تعرف أن القصص لا تخفى لأمد طويل ، فلم نجد قرار أصوب من الانخراط في مهنة الدعارة ، وهذه هي القصة من بدايتها حتى الآن .
حسنا … اسمعي كلامي جيدا وركزي معي ، أنا أيضا لدي قصة تشبه هذه ، لكنني قررت الخروج من جحيم الدعارة وبدأت العمل الشريف وقد وفقت لبناء نفسي واعتماد وسيلة عيش كريمة مضمونة ، فهل تستطيعين أن تتركي الدعارة وتعيشين معي حياة شريفة نظيفة ونبدأ بكسر شوكة هذا القدير اللعين الذي أوجدنا في هذا الجحيم ، لا يحتاج كلانا الى تاريخ ما ؟ كلانا لديه تاريخه الأسود ، أنا أحببتك وقد ترددت على بيت الدعارة هذا من أجلك أنت فقط ، أنت تعجبينني جدا وأنا مولع بك من دون كل هذه النساء ، لا أعرف لم اخترتك أنت ، لكنه الحب ، وأنت تعرفين جيدا أنني كلما جئت هنا لا أطلب سواك ، سأتركك تفكرين على مهل وأنتظر منك الرد .
بعدها بأسبوع قالت له : أنا ارتبطت هنا بعمل وأصبحت ملكا لبيت الدعارة هذا ،وعليك أن
تعد خطة هروب محكّمة لنبتعد عن هذا المكان الى الأبد .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *