شهدت الأعمال الدرامية التلفزيونية هذا العام جدلا واسعا ليس من باب الجودة والانتاجية والجرأة بالطرح ، لكن من باب السطو على افكار لاعمال سينمائية او روائية او تلفزيونية سابقة او لنقل اقتباس، بعضه مباشر والاخر يدخل في سياق الارتهان الى الثيمة الاساس او الحدث الابرز لاعمال مشهورة سجلت حضورها في الذاكرة الجمعية للمشاهد او المتابع العربي في السنوات الماضية ، ولنتوقف قليلا عند المسلسل العراقي( بنات صالح ) الذي قوبل باعتراضات عديدة كونه اعتمد كليا على فكرة واحداث المسلسل المصري الذي ذاع صيته في مطلع ثمانينيات القرن
الماضي وكان من بطولة عبد المنعم مدبولي وهدى سلطان مع الظهور الأول للفنانة هالة صديقي والفنانة مي عبد النبي وكان العمل سببا في شهرة النجمتين انذاك ، إذا يحكي مكابدات اب يبحث عن بناته بعد خروجه من السجن، وهو ما يحصل للفنان محمد هاشم بطل مسلسنا العراقي الذي يشترك مع العمل الاصلي حتى في العنوان تقريبا بالاضافة على اعتمادة على الثيمة والحكاية والمجريات دون اي ذكر في التايتل للعمل الاصلي وهو ما يعد ضمن الفهم المعروف للملكية الفكرية عملية تجاوز على حقوق المؤلف مع تراجع في متطلبات الادراك الموضوعي لاهمية الملكية الفكرية وصيانة حقوق العمل الابداعي المنتج الاصلي حتى بمر و الزمن عليها، لانها تبقى في حكم القانون ضمن ملكية المبدع الذي اوجد وحقق البعد الدرامي والجمالي والتشويقي لقصة قد تكون واقعية او متداولة بين الناس لكن عملية تحويلها الى عمل فني تحمل بصمة كاتب السيناريو الذي وضعنا امام حدث تفصيلي استدرج عواطفنا واحتفلنا معه بلحظات تضامنية وصلت حد البكاء ومشاركته البحث عن بناته نتيجة قوة الحبكة وواقعية التناول.
فيما جاء المسلسل المعنون ( فاتن آمل حربي ) للكاتب والصحفي المصري المتميز ابراهيم عيسى ليكون عملا مشابها او مكملا للفلم الواقعي الشهير للفنانة فاتن حمامة (أريد حلا ) الذي عرض في سبعينيات القرن الماضي وكان من ايقونات الأعمال الواقعية الاجتماعية واحدث جدلا، بعد ان حرك الرأي العام واجبر الجهات الفضائية والتشريعية في مصر على تغير قانون الاحوال الشخصية لصالح المرأة المعنفة او المطلقة ،وهو ما تهدف إليه فكرة المسلسل الذي عرض في رمضان لهذا العام من بطولة نيلي كريم التي اجادت لعب دور المرأة الشجاعة والذكية التي تطالب بحقوقها وفقا للدستور ،واضعة امام انظار واذهان اصحاب القرار والمشرعيين اهمية تحقيق العدالة والاستناد الى روح الفقه ومغزى الشريعة مع الاحتكام الى نصوص دينية ولوائح دولية تنصف النساء المعنفات، وهي بذلك تكسب ود المنظمات المدنية والنسوية عموما وتكون نجمة السوشيال ميديا ضمن حملتها الرامية لانصاف النساء المطلقات في عالمنا العربي، انه هدف وحكاية وحوارات تماثل ( حدودة فلم أريد حلا ) الذي كان مثار دهشة واعجاب الأوساط الثقافية والقضاىية، إذا ما عرفنا ان منظمات نسوية مصرية ومثقفات وناشطات توجهن بالفكرة الى الممثلة الأولى في مصر انذاك( فاتن حمامة ) لاقناعها بضرورة ان تقف معهم في تغير القانون من خلال عمل درامي ممتع ومؤثر وجريء ، وتحقيق ذلك بعد عرض الفلم لما احدثه من ضجة ونقاش ، و لما حمله من مضمون انساني واخلاقي ومبدئي ضمن احداث واقعية كسبت ود الشارع والهبت حماس المؤثرين في رسم سياسة الدولة انذاك ، وهو ما تحاول ان تفعله مسلسل فاتن آمل حربي صاحب الفكرة المقتبسة او القريبة ، لكنها لم تكن مستنسخة في تدرج الاحداث والتصاعد الدرامي، حيث رسمت لنفسها محاور متنوعة وتعاملت مع الثيمة بحرفية عالية مكنتها من صناعة هوية خاصة وملامح جمالية مؤثرة في المشاهد، الذي وجد فيها مسلسلا متفردا لم يتكأ كثيرا على فلم فاتن حمامة وانما اقترب من ضفافه دون قصدية الاقتباس المباشر او السطو على فكرة الفلم ذائع الصيت ، مستلهما اضاءات من حدثه او فكرته الاساس التي تندرج في اطار المطالبة القانونية للمرأة المنفصلة عن زوجها و الذي يمارس سطلته الذكورية بفعل وجود قوانين مجحفة وغير منصفة من وجهة نظر المتصدين او المطالبين بتشريعات ضامنة للحقوق المدنية ذات التوجهات الإنسانية العادلة والتي تنصف الفئات المستضعفة في مجتماعتنا .
واخيرا سنراجع بشكل سريع فكرة واحداث المسلسل المصري أيضا والمعنون( راجعين يا هوا ) وهو قصة للكاتب الدرامي الاشهر عربيا ، الراحل اسامة أمور عكاشة ، صاحب التحف والايقونات الدرامية التي مثلت قمم التعاطي الجاد مع اليوميات المصرية بنكهة الكاتب العميق والمحترف في صياغة المشهد والتنوع في الحوار لكنه في هذا العمل الذي اسندت فيه البطولة للنجم خالد النبوي ، بدا الحدث أقل تشويقا ، فالعنوان ماخوذ من اغنية رحبانية شهيرة للسيدة فيروز والقصة تقترب من فلم عودة الابن الضال الفلم السياسي الاجتماعي الذي انتج عام 1969 من اخراج يوسف شاهين ، لكن بتغيرات كبيرة في التناول ، إذا تحكي المسلسل قصة شاب طموح حالم يعود بخيبات متنوعة الى وطنه وعائلته المنقسمة والمهتمة بملذاتها ومكاسبها والتي اغتصبت حصته من الارث ، وهو ما يشابه او يماثل ( نسبيا ) شخصية وحيد في المسلسل الذي كتبه عكاشة اواسط الثمانينات وهو ( الشهد والدموع ) بجزءه الثاني الذي يظهر فيه النجم عبد العزيز مخيون بشخصية العم المثقف( وحيد ) الذي يحاول انتشال ابناء اخوته من الضياع والانقسام ، وهو نفس الدور الذي يجتهد بفعله خالد النبوي بشخصية ( حليم ) بمسلسل راجعين يا هوا الذي عرض في رمضان لكن الفارق كبير في الية الاقتباس وقدرة النص على اجترار خط درامي يحقق وحدة درامية مع تناص مشروع لاعمال اخرى دون المساس بقضية حقوق المؤلف او التجاوز الحرفي على الملكية الفكرية ، لكن لا مناص من وجود مقاربات حتمية تحدث بفعل الاعجاب لاعمال مؤثرة ظلت مليئة ادراج الذهن والمخيلة والذاكرة التي تضم بين طياتها وفي ( لا وعيها ) مشاهد واحداث وحوارات ومعالجات تتطابق مع الأعمال الاصلية المؤثرة .
ويمكننا القول بعد استعراض هذه النماذج الثلاثة للاعمال الدرامية المهمة التي عرضت في رمضان وعلاقتها بالملكية الفكرية ، ان ثمة تباين في فهم او تفهم مغزى ومبتغى الارضية والسند القانوني والتعريف الاخلاقي لهذه للحقوق التي لابد أن تحترم ضمن الاطار الممنهج والوظيفي لمرتكزات صناعة اعمال فكرية وثقافية وابداعية نضع في مقدمتها احترام مبتكر الفكرة والمجسد لابعدها والمحترف لاداوتها ، والذي افلح في اقتحام الواقع وترجمة ما فيه من مكابدات او سلوكيات ليضع المعالجة المناسبة ،وهنا لابد من الكل احترام وصيانة هذا الجهد الذهني والبحث عن مناطق اخرى للحرث والزراعة الدرامية في حقول الواقع الشاسعة دون النيل من جهد المبدعيين الأوئل . لكننا في ذات الوقت لابد ان نذكر ان ثمة مقاربات غير مقصودة ولا تحمل شفرات الادانة لمنتجي اعمال اليوم إذا انها تنتدرج ضمن خانة التأثر والتاثير المتعارف عليها عالميا و تاريخيا ، إذا وقع الشاعر المتنبي نحن طائلة النقد لانه كتب أبياتا بل وقصائد تنحى منحى الاسبقيين في الصياغة ورسم الصورالشعرية وكتبت عنه المؤلفات المنددة بسرقاته الشعرية لكنه ظل شاعرا خالدا ومبدعا وعملاقا .ولا يسعنا في هذا المجال الا التذكير بنظرية الحافر على الحافر التي صوب فيها النقاد العرب باتجاه توضيح بعض اللبس في عملية الاقتباس او السرقة غير المقصودة بقولهم ان ثمة حوافرللابل والخيول قد تأتي مصادفة في الصحراء على حوافر سبقتها باعوام نتيجة المصادفة ودون علم ومعرفة ،اي ان الافكار تتشابه يفعل تشابه الظروف المحيطة والبيئة المهيمنة ، في حين ذلك لا يتطابق مع اعمال يتقصد صناعها التعويل على نجاحات سابقة مست وجدان التلقي الجمعي فذهبت لانتاح اجواء مماثلة دون جهد معرفي اوخيال ابداعي .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *