وردتني مقاطع من أحاديث شخصيات تربوية لها تجارب طويلة في التربية والتعليم الثانوي خاصة، كانت قد جرت في ورشة نقاش في نينوى، قبل أيام. وقبلها استمعت الى نقاشات مسجلة لاقتصاديين من أوساط اكاديمية وتجارية على معرفة بتفاصيل الوضع الاقتصادي العام للبلد وتكتنز أحاديثهم بالحلول والمعالجات والرؤى. وسوى ذلك كثير من أوراق العمل والمداخلات المفيدة لذوي الكفاءات من اختصاصات كثيرة، الذين ليس بأيديهم سلطة أو صلاحية سوى قول الكلمة التي ينبغي ان تقال من أجل إيقاف تداعيات لم تستطع الوزارات المعنية معالجتها، وكل وزير يمر بالوزارة يخلّف وراءه تركة من المشاكل عن وعي منه او من دون وعيه، كونها مناصب مرهونة بالكتل السياسية التي تحرك ممثليها في الحكومات المتعاقبة بحسب أهوائها واجنداتها الخفية والمصلحية، بما لا يستطيع رئيس الحكومة نفسه مواجهته.
آراء ذوي الخبرة التي تطلق في ندوات صغيرة او ورش عمل ضيقة أو مؤتمرات في مدن بعيدة عن العاصمة او داخلها أحياناً، هي كنوز من التجارب والمعارف، ولابدّ من الإفادة منها بحسب الوزارات المعنية وعدم تركها تضيع على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنّها كلام عادي ويومي من السهل تجاوزه.
الخبرات العميقة التي تستحق ان تمارس دور المستشارية للوزارات كافة لا تزال تقع في الزوايا المجهولة، يطويها الزمن في حال وجودها داخل العراق.
امّا الخبرات الموجودة في الخارج فقد أفادت الدول الذكية، واغلبها عربية، منها اقصى فائدة، ثم يلفها الغياب والموت بعيدا عن الوطن، لأنه ليس هناك مصلحة سياسية لدى أية جهة حاكمة اليوم او قبل ذلك، لإرسال طائرة رئاسية او سيارة واحدة من موكب زعيم سياسي بائس لجلب جثة المتوفي من أولئك العلماء والكفاءات لتدفن في تراب العراق.
من الصعب على أي مراقب، أن يرى في هذه الثغرات المهولة من الأخطاء والخطايا ضد البلد، أعمالا عفوية وغير مدروسة ومبيت لها ، لكي تستمر القافلة في مسيرها نحو ذلك المجهول الذي يظنونه معلوماً عن غفلة أو غباء أو رعونة.