مضت السنين سريعة من بعد رحيلك يا عزيزي قضيتها هاربة من وجهك ومن ذكرياتنا الكثيرة لم تكن والدا فحسب بل كنت إبني  وصديقي هل تذكر طفولتي معك وكم جزء من كتاب الف ليلة وليلة كنت تقرأه لنا في حديقة منزلنا وعشبها الندي ليلاً كنت تقول اني اشبهك في الكثير من صفاتك حتى ملامحي لها نصيب منك كنت تتفاخر قائلا انت جميلة بما ورثتي مني كيف لا اتأثر بك وانا اكثر من رافقك من ابنائك كنت تصطحبني معك منذ طفولتي متجولين بين الندوات والمعارض الفنية والاحتفالات الادبية ، كان ابي يأخذنا انا واخي معه كثيرا في مقر عمله في بناية اتحاد نقابات العمال حتى اننا كنا معروفين لدى جميع الموظفين وبعدها كان يأخذنا بجولة في شارع الرشيد وكم كان جميلًا سابقًا، اتذكر كم كنا نقطع المسافات مشيًا وبعضها هرولة متحديًا انك تسبقني وكم تجولنا في ازقة بغداد وعند مرورنا من احد الاحياء تريني المساكن التي اقمت بها سابقًا والذكريات المرتبطة بها ، اتذكر كم مرة حدثتني عن طفولتك متجولا في بساتين النجف وسواقيها وكيف ان جدتي كانت تيقظك الساعة الثالثة فجرا للخروج للعمل كنت تلومنا اذا صحونا متأخرين مادحًا جدتي ، كل يوم صباحًا كان ابي يستيقظ نشيطًا يغني المقامات بصوته الجميل مطقطقا باصابعه متمايلا رقصا في بعض الاحيان ثم يتجه الينا قائلا بيت الشعر (ما اطال النوم عمرًا ولا قصر في الاعمار طول السهر) وقائلا باللهجة العامية ( لتنامون وراكم النومة الأبدية) كانت هذه عادته حتى في اصعب حالاته الصحية، اتذكر مغامراتنا قبل ما يقارب عشرة سنوات او اكثر سافرنا سويا الى اسطنبول بالباص يومان قضيت معظمها بالنوم بينما والدي كان يحاول ايقاظي لرؤية المناظر الخلابة في الطريق ولم ينم ابدا رغم انه زار دول جميلة وسافر كثيرا وحتى في طريقه للعمل الذي يتكرر كل يوم كان يقول انه يشعر باستمتاع كانه يرى الطريق لأول مرة ومن بعد عودتنا من السفر فتحت صحيفة الزمان لأجد كل تفاصيل الرحلة وكل ما قمنا به منشور في اربع صفحات كنت اشعر بامتعاض انه يكتب كل التفاصيل ولكن سرعان ما فهمته ، ذهبنا سويا الى ايران وزرنا مناطق كثيرة جميلة ثم زرنا الهند للعلاج وكانت من اجمل الرحلات يا صديقي قضيناها مبهورين بهذه الحضارة العظيمة كنت انا الدليل السياحي زرنا كافة المعابد الهندوسية والسيخية والبوذية والمساجد الاثرية وعلى رأسها تاج محل وتمتعنا بالطبيعة الجميلة كما كنا نشاركهم في الكثير من الطقوس التي صادفناها من باب المتعة والفضول كنا ننهي جلسات العلاج صباحًا ونتوجه بعدها للتجوال في مدينة دلهي واسواقها الجميلة الى ان جاءت رحلتنا المشؤومة الاخيرة قضينا معظمها سويًا لكني وبسبب ظروف العمل اضطررت للعودة وقبل عودتي قلت لي لا تتركيني اذا تركيني اموت هذه العبارة لازالت تحفر خندقًا من الالم في قلبي تعابير وجهك نظراتك لي تؤنبني ، كنت قد اشتقت للعراق ولأصدقائك لم تكن سنة بل اقل لتقتلك الغربة سامحني كانت كورونا في بداياتها وكنت اعتقد ان تركيا اكثر أمانًا من ناحية الرعاية الصحية لم اكن اعلم اني سلمتك للموت ومن مفارقات القدر حديثك الدائم عن انك لا تريد ان تموت في تركيا كما توفي صديقك فيها تحققت مخاوفك!!. حضر المعزين والمحبين اضعاف من كتبوا عنك في اشاعة موتك التي جمعت لك فيها مقالاتهم وكنت تبكي فرحًا من رثائهم لك كنت اتمنى ان تسمع وترى ما فعل وما قال المحبين من بعد رحيلك وكم يحبك الجميع ، كم كنت وديعا هادئًا لقد قضيت سبعين عقدا مليئة بالنشاط والابداع كنت شعلة لا تنطفأ كنت تقول كلما سنموت وكلنا راحلون ولم تكن تبكي او تنوح عند موت الاحباب مستقبلا الموت بكل برود دعني اعاتبك بعيدا عن القدر والقوانين الالهية .لقد تركتنا مبكرًا كنت أتأمل ان تبقى معنا اكثر ، نم منامك الابدي يا صديقي فقد اجهدتك الحياة بمفارقاتها الكثيرة .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *