اصبح من الصعب جداً ان يحقق الكثير من العراقيين حلمهم بامتلاك دار سكن تغنيهم مذلة مواجهة اصحاب العقارات وملاكها عند نهاية كل شهر عندما يطرقون الباب مطالبينهم باستيفاء الايجار ، ويأمنون بها من تقلبات الظروف من دون الشعور بالتهديد او القلق المستمر ، بعد ان شهدت اسواق العقارات والدور خلال السنتين الاخيرتين ارتفاعاً غير مسبوق لم يشهده العراق سابقاً .
هذه الزيادة الصاروخية في اسعار الدور والاراضي التي لا ترافقها نهضة عمرانية او نمو اقتصادي او تعافٍ لسوق العمل تبدو مثيرة للريبة لكنها لا يمكن ان تحصل من دون اسباب معينة اسهمت بها ، عوامل قليلاً ما تمت لاقتصاديات السوق بصلة ، فالتدفق الهائل للاموال غير المعروفة المصدر كان له بالغ الأثر في موجة الغلاء التي تفشت في سوق العقار ، وهو ما لم تلاحظه او تراقبه او تدرس اسبابه اي من الجهات المتخصصة في مراقبة القطاعات وتبيان الطفرات غير المنطقية والعودة الى المؤشرات التي يفترض انها واضحة لديهم لتشخيص المشكلة ورفع التوصيات لاتخاذ القرارات للسيطرة على اي متغير غير طبيعي او يبنى على معطيات زائفة وهمية لما في ذلك من ارتدادات ان حدثت ستحدث ازمة كارثية خطيرة لأنها قد تؤدي الى انهيار كبير ينعكس على كل تفاصيل الحياة.
ولمعرفة ما هي السبل الكفيلة بمعالجة هذه الظاهرة لابد من الحديث بصراحة عن اسبابها التي تنحصر بشيء واحد يتعلق بغسيل المال القذر ، فبعد ان حوصر حيتان الفساد من السماسرة والطفيليين على المال العام من الذين يستولون على ملايين الدولارات من العقود والاتاوات والسبل غير المشروعة وصار من الصعب عليهم تهريب هذه الاموال الى الخارج اما لتعسر هذه العملية جراء التشديد في انتقال المال او فقدانهم للملاذات الامنة بعد ان ضرب سوق المال في لبنان وايران وصار تهريبه اليهما بدون طائل وغير مجدٍ ، حتى بدون هجرة عكسية للمال من لبنان الى العراق ليدخل اليه عشرات المليارات غير النظيفة التي وجد اصحابها ان اسهل عملية لتبييضها هي توظيفها في سوق العقار وهو ما ادى الى اقبال كبير على شراء العقارات وباسعار اعلى من المعدل.
والهجرة العكسية الى الداخل اذا ما تم تجاهلها وعدم مراقبتها ستتحول لاحقاً الى كارثة عندما يبدأ هؤلاء اصحاب المال غير الشرعي بطرح عقاراتهم للبيع وباسعار تنافسية لينذر ذلك بانهيار للسوق ستبدو تبعاته مخيفة وخطيرة مما يستوجب الانتباه المبكر لاحتواء ما سيحدث لاحقاً.