تبدأ صورة الوطن من تلك الرسوم التي تجسد رموز و علامات تحمل أبعاداً و معاني تتعلق بمخيال الاطفال, تطرحها على الورق و الجدران و السبورات , تتمثل بالعلم و منازل متراصة و حدائق و أزياء متنوعة و ألوان زاهية . تلك اللوحات تتماهى مع حلم لم يتلوث , يتسم بالنقاء , ثقافات متعددة , قباب, مآذن, كنائس و ماء يروي ظمأ نخيل أقترن بأرض يسري في رحمها نهرين.
لا أعتقد أن تلميذاً لم تخطط و ترسم أنامله لوحات تكشف عن تطلعاته المبكرة من سنواته الغضة, فقد كانت طفولتنا المفعمة بالبراءة و الصفاء , ترى العراق في جغرافيته المختلفة و بيئته الثقافية المتنوعة و رموزه الحضارية و الدينية .
إذ أن المدرسة هي حقل ينمو فيه ما تزرع , ففيها تبدأ صورة الوطن الذي لم يكتمل ملامحه. لتداهمه بعد حين مع بواكير الوعي مفاهيم أخرى تغذي الانقسام و التصادم و تفرض و اقعاً خلاف صورة الخيال الاول… فالعقل يُثلم بفعل إقتحام أيديولوجيات سياسية و مذهبية و عرقية لترويضه بما ينسجم مع خطابها , كي تحقق الامتلاك بالمخاتلة على الوعي من خلال التعامل مع رسائل و وسائل التضليل بوصفها حقيقة . يلوذ خلف مرآة تحمل وجهاً غير ما تحمل المرآيا الاخرى , لتندحر اللوحة في قاع الذاكرة تحمل ضوءاً يكابد طغيان بريق المرايا المثقلة بالضغائن الثاوية. و هو لما يزل يسعى لاستيعاب مجتمع محتدم بالخلافات , ليغرق في ثنائية الانغلاق / الانفتاح ,الثقافة الموروثة / العولمة , فضاءات وسائل التواصل / القيود الاحتماعية , الرغبة بالتفاعل/ التعصب للنصوص و المعتقدات ، توقف الزمن / سرعة الحركة و المنافسة , ثنائيات فرضها واقع جديد, و عصر يتسم بالسباق و التدفق المجنون للمعلومات , ما أنعكس على انسان ما برحت لوحة الوطن الاولى راسخة تتحدى الخطوب و سلطات سياسية و قوى تقليدية لا تؤمن بما تحلم بل تسعى لاغتياله.
على أن إحداث فعل ثقافي يسهم بتغيير الوعي لا يستدعي الماضي و نشر محتوى متخلف بوسائل حديثة , فالفضاء الاتصالي منح المجتمعات حرية التفاعل و الحوار و النقاش المفتوح في كيفية استثمار العقل , للارتقاء بالانسان و بناء مجتمعات تسودها الحرية المسؤولة و العدالة الاجتماعية , و أنظمة سياسية تتوائم مع التحولات التي تشهدها المجتمعات . لا الازدواجية والعيش وسط جم التناقضات و التصادمات.