المرأة في أمريكا لم ” تبدأ ” ، في الحصول على ” البعض ” ، من حقوقها المدنية الا في مطلع القرن العشرين .
ولاحظ باني استعملت مصطلح ” تبدأ ” ، لانه رغم كتابة الدستور الامريكي قبل أكثر من ثلاثة قرون ، الا انه لا يحتوي في مواده الا على القليل فيما يخص حقوق المرأة ، وكذلك قلت ” بعضا ” ، لان المرأة ما زالت تناضل من أجل الحصول على حقوقها ، والتي هي ما زالت بعيدة جدا عن حقوق مساواتها مع الرجل .
ان مصطلح مبدأ فصل الدين عن الدولة ، في امريكا ، ما زال نظريا وربما تجد موادا له في الدستور والقوانين الفدرالية ، وقوانين الولايات ، الا انه عمليا غير موجود ، فالمؤسسات الدينية ، ما زالت هي التي تسيطر على اتجاه المرشحين والناخبين ، وشهدت السنوات الاخيرة هجمة شرسة من هذه المؤسسات الدينية المتطرفة أو الاصولية في تدخلها بالامور السياسية والقضايا الاجتماعية ، واصبحت هذه المؤسسات لها اليد العليا في ترشيح وانتخاب المحسوبين على اليمين والمحافظين ، ومهاجمة وابعاد المحسوبين على اليسار والليبرالية ، وعلى جميع المستويات ،من انتخابات عمدة قرية صغيرة لا يزيد عدد نفوسها عن خمسة الاف ، الى عمدة مدينة كبيرة يزيد عدد نفوسها عن عشرة ملايين ، مثل نيويورك ولوس انجلس ، الى حكام الولايات ، واعضاء مجلسي النواب والشيوخ ، ورئيس واعضاء المحكمة الدستورية العليا .
وكان أهم مكسب حصلت عليه المرأة الامريكية ، كان في عام 1973 ، وذلك في تشريع قانون يمنحها حق تقرير الاجهاض بدون تدخل حكومي او طرف آخر ، وسمي بقانون ( Roe V .wade ).
ففي عام 1971 ، اقامت السيدة الامريكية جين رو ، الدعوي على الحكومة الامريكية ممثلة بالمدعي العام الامريكي لمدينة دالاس ، السيد هنري ويد ، وتم في حينها رفض الدعوى ، واعادت السيدة رفع الدعوى مجددا في عام 1972 ، وتم في عام 1973 ، كسب الدعوة ، وتم تشريعها من قبل مجلسي النواب والشيوخ ( والذي يشمل كل منه في ذلك الوقت اغلبية ديمقراطية ) ، واعتمادها من قبل الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون ( من الحزب الجمهوري ) ، لتصبح قانون .
تبع هذا القانون ، شمل جميع كلفة الاجهاض باعتبارها عملية جراحية ويغطيها التأمين ، مع دعم الحكومة الفدرالية لبعض الحالات .
وبدات العيادات الطبية التي كان بعضها يعمل في الخفاء ، من فتح ابوابها علنا ، رغم تعرضها الى اعمال تخريب واعمال قتل واغتيال من قبل اعداء الاجهاض .
ومنذ ذلك اليوم ، لم تتوقف المؤسسات الدينية المتطرفة أو الاصولية ، عن محاربة قانون الاجهاض ومشرعيه والعمل على الغاءه ، عند توفر الفرصة ، وهذه الفرصة اصبحت متوفرة من خلال القوة الدستورية التي تتمتع بها المحكمة الدستورية العليا ، والتي فيها ستة أعضاء من مؤيديها .
ورغم كون تشريع القوانين في أمريكا يجري من خلال مجلسي النواب والشيوخ ، الا ان المحكمة الدستورية العليا تلعب دورا كبيرا في شرعية أو عدم شرعية القوانين .
والمحكمة الدستورية العليا ، مؤلفة من تسعة قضاة ، ثماني منهم اعضاء المحكمة ، والتاسع رئيسا للمحكمة ، وعادة تتمرجح ما بين خمسة من المحافظين والمحسوبين على اليمين والحزب الجمهوري ، واربعة من الليبرالين والمحسوبين على اليسار والحزب الديمقراطي ، أو العكس .
الا انه وفي عهد الرئيس السابق باراك اوباما ( من الحزب الديمقراطي ) ، لم يستطيع ملأ الشواغر الحاصلة في المحكمة الدستورية العليا نتيجة تعنت الحزب الجمهوري الذي كان يسيطر على مجلس الشيوخ ، وتم ملأ الشواغر بعد انتهاء ولاية أوباما ، وبداية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب ( من الحزب الجمهوري ) ، وتم تعيين شواغر اعضاء المحكمة الدستورية العليا من المحافظين والمحسوبين على الحزب الجمهوري لتصبح المعادلة 6 / 3 ، وهذه نسبة تحصل لاول مرة منذ عشرات السنين .
وتعمل اليوم هذه المحكمة الدستورية العليا على الغاء أو تعديل الكثير من القوانين التي جرت في عهود رؤساء من الحزب الديمقراطي ، أو سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو الاثنين في فترات سابقة .
ومن هذا القوانين ، قانون الاجهاض ، والغاء جميع المزايا المالية والمعنوية الملحقة به ، مع تعريض الاطباء والكادر الطبي والعيادات التي تقوم به الى عقوبات تصل الى 15 سنة سجن .
واذا اصدرت المحكومة الدستورية العليا قرارها بالغاء الاجهاض ، فان المرأة الامريكية تفقد اكبر مكسب في تاريخها ، وتعود نصف قرن الى الوراء .